هذا تعبير قرآني عمن أراد الغنيمة والسيطرة على القافلة كلقمة سائغة من غير حرب، بينما من أراد الحرب وكسر شوكة الأعداء فقد عبّر عنها القرآن بإرادة ذات الشوكة، وشتان ما بين الارادتين، فالحرب الاقتصادية مثلا أو الصراع السياسي والاعلامي دون قتال وقد تكون أيضا المقاومة السلبية بمفهوم هذه الأيام شكلا من أشكال غير ذات الشوكة .
وقد أطلق القرآن هذا المصطلح على خلفية ما كان يجول في الصدور قبل معركة بدر، هناك من يرغب بالاسهل وهي طبيعة فطرية إنسانية أن الانسان عندما يُخيّر بين السهل والصعب يختار الاسهل، فعندما جاءنا أوسلو قيل لنا إن عهد الكفاح المسلح قد ولّى وأن ما كنت ستأخذه من خلال الجهاد والثورة المسلحة وسفك الدماء ممكن أخذه دون أي قطرة دمّ، ممكن بغير ذات الشوكة أن تصل الى أهدافك كاملة وممكن أن نصنع لك وطنا يكون بمثابة سنغافورة الشرق الأوسط وكفى المؤمنين شرّ القتال. وحتى أن البعض راح يندب حظّه على تلك التضحيات التي كان بالإمكان توفيرها بالولوج الى غير ذات الشوكة من قبل سنوات وسنوات دونما أية مضيعة للوقت في حروب وانتفاضات وصراعات لا قبل لنا بها البتّة.
إلا أن التجربة أثبتت عكس ذلك تماما، فكما كان من أمر بدر أن ذات الشوكة كان هو الخيار الأفضل والأكثر نجاعة يثبت أيضا هذه الأيام بكل دقة ووضوح، ومع الفوارق الكثيرة والكبيرة بين المثال وتطبيقاته اليوم إلا أننا بتنا نرى النتائج الكارثية على المراهنة على خيار غير ذات الشوكة، لقد ابتلت عروق العمل السياسي في فلسطين وثبت الهلال وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بما لا يدع مجالا للشكّ بأن الخيار المجدي مع هؤلاء هو ذات الشوكة، وأن الخيار الثاني لا يعدو عن مجرد ذرّ الرماد في العيون أو البناء على أمواج بحرهم الهائج.
ولا يأتي التبديل بين هذا الخيار وذاك بجرّة قلم أو خطبة عصماء أو كلمة بليغة تنفض الغبار عن خيار غير ذات الشوكة الذي رتعنا فيه منذ ما يقارب عقدين من الزمان، لكلّ مسار متطلباته وهي عبارة عن سلسلة طويلة من الاعدادات الماديّة والثقافية والنفسية، لا يمكن لقائد أن ينقل جنده من الخيار السهل الى الخيار الصعب هكذا من خلال خطاب ارتجالي سريع، المسألة عبارة عن نقلة نوعية واستعدادات نفسية ولوجستية، فعلى صعيد ثقافي واعلامي مثلا لا بدّ من إعادة تصحيح وتصويب مجموعة كبيرة من المصطلحات، ولا بدّ من تبديل تيار الوعي بشكل كامل ليعتمد لغة مختلفة تماما عن تلك، الان تريد أن تعدّ شعبا وتعيد تشكيل ثقافته من جديد نحو اعادتها الى روح الثورة وبناء الاستعدادات النفسية للتضحية وتقبل دفع الثمن المطلوب، الان تريد إعادة ما تم هدمه على مدار عقدين من الزمن ، تريد إعادة الدوران في فلك القضية على أصولها بدل من هذا الدوران في فلك الدعم الأجنبي ومؤسساته( الانجيوز) وتقاسم الرتب والوظائف والجيبات الفارهة وتوزيع بطاقات ال: FIB ، تريد أن تنتقل من إرادة القعود والخيار السهل دون شوك الى إرادة الوعي والثورة، وإرادة ذات الشوكة. وهذه لها متطلباتها الكثيرة ومستلزماتها التي لا بدّ من إعادة احيائها.
بعد أن نزلنا عن جبل أحد طمعا في الغنائم وذقنا مرارة هذا النزول، وبعد أن تجرّعنا عواقب هذا الخيار المدمّر، المطلوب الان الصعود الى جبل القضية من جديد وخيار ذات الشوكة بأسرع وقت ممكن وبأفضل الطرق الممكنة.
(ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدّة)