كان يحمل "حرجايته" وهي عبارة عن قطعة من قماش المنصوري التي خيطت يدويًّا بخيط ملاحف، ويخرج بعد صلاة العصر مع مجموعة من الأطفال، ويقولون: "حالو يا حالو، رمضان كريم يا حالو ، حلوا الكيس وأعطونا، لولا أبو زهدي –مثلًا- ما جينا"، ويعطيهم ما تيسر من حاجيات كحبة الملبس أو البسكويت وغيرها، هذا ما استذكره الستيني طاهر باكير من مدينة نابلس، للحديث عن إكرامية الأطفال في رمضان.
"في بداية شهر رمضان يعامل الأطفال معاملة فيها الكثير من التشجيع والحب، بهدف تعويد الطفل الصوم والصلاة، وبذلك يكون الأهل يكافئون ويربون أبناءهم على التعاليم الإسلامية" يضيف لصحيفة "فلسطين".
وكان أهله يعملون على تعويده الصوم ساعات قليلة في البداية حتى أذان الظهر، ولكن لا يأكل أمام إخوته، بل بعيدًا عن أنظارهم وبسرية تامة، وذلك لاعتبار أنه ليس من الأدب الأكل أمام إخوته الصائمين، وبعدها يكمل نهاره صائمًا منتظرًا مدفع رمضان.
وكان من الجوائز الكبيرة في نظره مكافأة على صيام نهار رمضان أن يسمح له بالخروج بعد صلاة المغرب، فكان يخرج برفقة أطفال الحي حاملًا فانوسه بيده، ومصروفه في جيبه، ومع رمضان تنقلب الأمور، فبعد أن كان اللعب والشراء بالمصروف في النهار، أصبحا في المساء بعد صلاة المغرب.
يقول باكير: "كنا نصل إلى البلدة القديمة، ونحن نردد: "وانزلت على السوق نازل ولقيت تفاحة حمرا حمرا لفاحة.. حلفت ما باكلهي.. لييجي خيّـي وبيّـي.."، ونشتري ملبس حلو على حامض، وشعر البنات، أو كأس بليلة أو سحلب حسب الجو في ذلك الوقت، وأصحاب المحال لم يكونوا يقصرون، فكانوا يقدمون الحلوى لنا والسكاكر".
ومع أذان المغرب وعند ساعة الإفطار يكون الأطفال فرحين بما أتاهم الله من فضله، خاصة الحلويات يوميًّا والطيب من الشراب، وخاصة إذا أتم صيام نهار رمضان، ويكون لفنجان الشاي على وجبة السحور حضور وفرحة، لا سيما أنه كان من المحظورات ليلًا في الأيام العادية.
وكما أن المكافأت جاهزة إن العقوبات كذلك، يتحدث باكير: "أذكر بعد واحدة من جولات حالو يا حالو وأنا راجع للبيت كانت إحدى العطايا حبة راحة مفستقة، وملبسًا على لوز، وهو ما يشتهيه قلبي، ولم أحتمل، فمشيت وأنا أصارع الشيطان مع أني لا أعرفه، وإنما كل ما أعرفه أنني لم أصبر على حبة الراحة المفستقة والمعطرة، ففي واحدة من زوايا مطلع الدرج جلست تحتها ولا يراني أحد وأخرجت المفستقة فالتهمتها، وألحقتها بحبة ملبس على لوز، وفور دخولي البيت استوقفتني جدتي فقبلت خدي، وفجأة اختلفت مسكتها ونظرتها وهيئتها، وبدأت أرجف، وقالت لي: افتح فمك، أدخلت أصبعها تمسح لساني وتشم، ويا ليتها ما كانت معطرة، فضحني عطرها، والعقوبة كانت حرماني ثلاثة أيام السوق نازل، وكذلك المصروف".
كان حينها لم يتجاوز من عمره سبعة أعوام، ولكنه يقر أنه مذنب.
هذه بعض من المكافآت، إلى جانب أن المصروف كان يضاعف في رمضان، ولا يقتصر على الأب بل يمتد إلى من كان عنده الإفطار: الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة، إضافة إلى الألعاب الليلية: (الغميضة وعالي واطي والطابة والسبع حجار وغيرها).
أما رفيق إسماعيل (62 عامًا) فيتحدث عن أنواع من الإكراميات التي كانت تقدم للأطفال مكافأة على صيامهم نهار رمضان، وترجع حسب وعودات الأهل كشراء ملابس للعيد، أو زيادة في المصروف، أو في العيدية، إذ كان يفرح بالمكافأة -مهما كانت قليلة- أكثر من العيدية.
"وقد كان التحفيز للأطفال أسلوبًا تربويًّا قديمًا، يتبعه الجد مع الأحفاد ليشجعهم على الصيام والصلاة، ويعدهم بالجائزة وتكريمهم حتى يتعودوا ذلك من الصغر"، والكلام لإسماعيل الذي يضيف: "فأنا شخصيًّا قد وعدت أحفادي بجائزة في نهاية رمضان لمن يلتزم بالصوم والصلاة لتعويدهم أداء العبادات، وكل يوم يسألونني عن طبيعة الجائزة".