فلسطين أون لاين

ليلة القدر تعلن الثورة وتحيي الأمّة

تشعرك ليلة القدر أنك قريب من رب السماوات والأرض، وأنك عنده صاحب شأن كبير، فأن يمنحك هذا الرب العظيم ما يزيد على الألف شهر مقابل ليلة تقومها بين يديه دليل قاطع على أنك عنده مهم وكبير، ولك مكانة عالية ومقربة وأنّك تستحق الدعم والتأييد من أكبر قوّة في هذا الوجود، الذي بجانبه تتضاءل وتتقزّم كلّ قوى الشرّ والباطل، تقول لك ليلة القدر إنك مع الحق وإن الحق معك وإن كل قوى الباطل لن تقدر عليك ما دمت مع الحق والحق معك.

هي إذا قوة معنوية هائلة تستمدها من مصدر هذا الوجود، وترتكز عليها عندما تشتبك مع القوى التي تناوئ الحق وترفع لواء الظلم والباطل والفساد والبغي في الأرض بغير الحق، ليلة القدر تمنحك اصطفافا عظيما لكلّ من انحازوا إلى هذا الربّ العظيم ووقفوا بين يديه مبتهلين متضرعين ملتزمين بسننه التي لا تجد لها تبديلا ولا تحويلا، وتمنحك أيضا اصطفافا معك من قبل أصحاب هذه الليلة من مشارق الأرض ومغاربها، ليلة القدر تعيد ترتيب صفوف المؤمنين في البشرية جمعاء ليكونوا مع الحق ومع قضايا الحق، فما بالنا بالقضية المحورية المركزية ذات العلاقة بالقدس وذات العلاقة بألدّ أعداء الحق على هذه البسيطة؟

وإذا جمعنا هذه القداسة العظيمة بهذه الروح العالية إلى ما يضخّه القرآن العظيم (الذي أُنزل في هذه الليلة) في روع المؤمنين ندرك أن هناك حركة عظيمة تلهب المشاعر وتخرج مكنونات هذا القلب لتقف ثائرة بقوّة روحية عالية في وجه الظلم والطغيان، تنحاز للحق أوّلا ثم تتحرّك بحركته وتنطلق بقوة انطلاق عارمة وستشتبك حتما بقوى الظلام التي ترسي قواعد الفساد ولا تريد للبشرية خيرا، تجسد الظلم والباطل والطغيان، لن تجد مع روح هذه الليلة العظيمة ورسالتها السماوية إلا رفضا وغضبا على كل من يرفع راية باطل أو فساد في الأرض، ما بالنا بهذه الجبلة النكدة التي تجاهر ليلا ونهارا بحربها على الحق وكلّ رموز الحق خاصة أولى القبلتين وثالث الحرمين؟

ليلة القدر منحة ربانية للمستضعفين تقول لهم إن ربكم الذي تعدل عنده ليلتكم معه ما يزيد على ألف شهر لن يتركم أعمالكم، ولن يتخلّى عنكم، ولن يسلمكم لأعدائكم، ولن يكون للكافرين عليكم سبيلا، فقط ما عليكم إلا أن تواصلوا الطريق بهذه الروح الواثقة بربكم والموقنة بدعمه لكم، وكما أقبلتم على هذه الليلة المباركة أقبلوا على سنن التداول التي جعلها الله بين الناس، انصروا الحق وأهله وانحازوا إليه، تبرؤوا من كل من يدعوكم إلى الهبوط والخنوع والركون إلى الذين ظلموا، سيروا في ركاب الحق ولا تخشوا لومة لائم، لا تستخفوا بقدراتكم ولا بأنفسكم ولا تستعظموا أهل الباطل والفساد في الأرض، أنتم الأعلون ما دمتم تعلنون الانحياز إلى هذا الرب العظيم وهذا الحق الذي لا يأتيه الباطل ولا قبل له به أبدا.

ليلة القدر قوة ثورية هائلة على امتداد العالم الذي يقيم هذه الليلة المباركة، فهذا الرب كما هو رحيم بعباده، هو عزيز يعزّ من يشاء ويذل من يشاء، فهو مصدر العزة في هذه الحياة ولا يرضى لاتباعه أن يكونوا الأذلّ وإنما هم الأعزّ، وينبغي أن يتحركوا بعزة ربهم لتحقيق العزة في حياتهم، لا يمكن لهم أن يرضوا الدنيّة في دينهم ولا أن تبتهل هذه القلوب خاشعة ذليلة وإنما هي لا تذلّ إلا لله ولا تستعزّ إلا بالله، فهي الأعزّ وكل من يواجه الحق هو الأذلّ ، فالأهون عند الله هم الأهون عند عباد الله، ومن هنا ينطلق المؤمنون بهذه الليلة المباركة إلى تحقيق عزّتهم تماما كما تحققوا من عبوديتهم لله وأخلصوا له العبودية وتحرّروا بالتالي من كل عبودية لغيره.

لا يمكن لمن يحيي هذه الليلة المباركة في كل أصقاع الأرض أن يقبل لشعب مؤمن أن يحتله ألدّ أعداء الله والبشرية جمعاء، لا يمكن أن يقيم هذه الليلة وهو ينظر إلى ما يحدث لفلسطين وأهل فلسطين، هذه الليلة ثورة عارمة تسع العالم كله، عباد الله يصطفون صفّا واحدا وكتلة بشرية واحدة في مواجهة هذه الغطرسة التي استمرّت اثنتين وسبعين سنة، هذا الرب العظيم الذي يتجلّى لعباده في هذه الليلة المباركة هو نفسه الذي تناصبه العداء فئة المغضوب عليهم، وهو سبحانه يريد أن نريه من أنفسنا اجتهادنا في مقاومة هذا الطاغوت، هو قادر على الانتصار منهم ولكن سنته أن نجتهد ونسعى ونعمل، ليلة القدر هي عنوان عظيم لهذا العمل وهذا الانحياز وهذه الثورة لكل قوى الحق وكل من أقام هذه الليلة العظيمة.

وفي الوقت ذاته هذه الليلة تلعن كل من غرّد خارج هذا السرب العظيم، تعلن أنه خارج عن سياق المؤمنين وسياق الحق وخيرية البشرية جمعاء. لا يمكن لأتباع هذه الليلة إلا أن يكونوا أقوياء أعزّاء، ثائرين في وجه الباطل، جنودا أوفياء لهذا الربّ العظيم الذي يمنحهم بليلتهم هذه ما يزيد على ألف شهر.