في التاسع من الشهر الجاري كتبت مقالا بعنوان (٧٢ عاما وأمل العودة يتجدد). والآن أعود ثانية لموضوع النكبة في يوم الذكرى نفسه، يوم الخامس عشر من مايو أيار عام ١٩٤٨م، أي قبل (٧٢) عاما من اليوم.
في هذا اليوم المشؤوم أعلن دافيد بن غوريون قيام دولة (إسرائيل) على أرض فلسطين العربية، وحظي الإعلان باعتراف فوري من بريطانيا، وأميركا والاتحاد السوفيتي، ولم تلتزم (إسرائيل) بقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، بل تعدته واستولت على أراضٍ خصصها التقسيم للدولة الفلسطينية.
هزمت الجيوش العربية، وهزم معها الفلسطينيون، الذي أخرجوا مطرودين من بيوتهم وموطنهم، وباتوا لاجئين في دول الجوار والعالم، يعيشون على الإغاثة الدولية. ومرت السنوات، تتلو بعضها بعضا، والفلسطينيون يحيون ذكرى هذا اليوم الأليم، ويؤكدون حقهم بالعودة، وأنهم لن يتنازلوا عن هذا الحق المقدس، مهما تعاظم الاحتلال.
لم ينجح الفلسطينيون في تحقيق أهدافهم، والسبب الأرجح في ذلك لا يعود إلى قوة دولة الاحتلال، وقوة دعم أميركا لها، بل يعود إلى الدول العربية والقيادات الفلسطينية، لأن الدول العربية بعد توقيع اتفاق الهدنة مع (إسرائيل)، لم تكن تؤمن بتحرير فلسطين، ولم تكن تعمل له، وكانت تمنع الفلسطينيين من العمل له، وتحرم الفلسطينيين من الحق في مقاومة العدو، إما باعتقال المقاومين، وإما باحتواء قيادات المقاومة وإخضاعهم لإرادتها.
نعم، جرت حروب عربية مع (إسرائيل)، مثل حرب ١٩٦٧، و١٩٧٣م، ولكنها حروب دفاع عن الأنظمة العربية نفسها (مصر وسوريا والأردن)، ولم تكن حروبا عربية لتحرير فلسطين، لأن إرادة التحرير لم تكن موجودة، وقرار التحرير لم يكن موجودا البتة، وحتى حين تمكنت القوات المصرية من مفاجأة العدو والدخول إلى جزء من سيناء، توقفت لأنها أرادت حرب تحريك للمفاوضات لا حرب تحرير لفلسطين.
اليوم في الذكرى (٧٢) للنكبة، يمكن القول إن قادة الأنظمة العربية ودّعوا التحرير نهائيا، ووقع بعضهم اتفاقيات مع (إسرائيل) تعترف بحقها في الوجود، وبعضهم الآخر أخذ يهرول نحو التطبيع والاعتراف، ويعلن بكل وقاحة أن المقاومة الفلسطينية إرهاب يجب أن يتوقف!
إنك حين تربط مواقف السنوات الأخيرة بأوائل سنوات النكبة لا تجانب الحقيقة إذا قلت إن قادة العرب بمن فيهم عبد الناصر ما كانوا يؤمنون يوما بواجب تحرير فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية العربية على تراب فلسطين. وإن ما تنتظره فلسطين منهم بعد (٧٢) عاما من النكبة هو أسوأ مما رأته منهم في السنوات الماضية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومع ذلك نقول إن فلسطين ستتحرر، وستعود إسلامية عربية، وسيزول الاحتلال، ولكن هذا الشرف العظيم لا يمنحه الله لقادة يكذبون على الله وعلى شعوبهم، ويوالون أعداء الله وعدوهم!