اجتمع العرب في الدورة الثامنة والعشرين لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة بالمملكة الأردنية، وانفضوا، وهم لا يبعدون أكثر من 30 كم من ثالث البقاع الطاهرة لدى العرب والمسلمين، المسجد الأقصى المبارك.
قمة البحر الميت هي القمة الأولى في تاريخ القمم العربية التي تعقد على هذا القرب من فلسطين المحتلة، قمة ستمكن للرؤساء والملوك العرب مشاهدة المسجد الأقصى من شرفات أجنحتهم الفندقية، وشهدت تأكيد رئيس السلطة الفلسطينية بطبيعة الحال، وعدد من الزعماء العرب كون فلسطين قضية العرب الأولى.
الشق المتعلق بفلسطين من البيان الختامي للقمة أكد مجددًا مركزية قضية فلسطين للأمة العربية جمعاء، والهوية العربية لـ"القدس الشرقية" المحتلة (لا كل القدس)، عاصمة دولة فلسطين، وأعاد تأكيد حق دولة فلسطين بالسيادة على كل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وفيها "القدس الشرقية"، ومجالها الجوي، ومياهها الإقليمية، وحدودها مع دول الجوار.
وطالب المجتمع الدولي من دون اتخاذ إجراءات عملية بإيجاد الآلية المناسبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016م، الذي أكد أن الاستيطان الإسرائيلي يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وعقبة في طريق "السلام"، ومطالبة الكيان العبري بالوقف الفوري والكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس، ورفض ترشيح الكيان لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن لعامي 2019 ـ 2020م كونه قـوة احـتلال.
القادة العرب أعادوا تأكيد تمسك والتزام الدول العربية بمبادرة "السلام" العربية، كما طُرحت في قمة بيروت عام 2002م، وأن "السلام" العادل والشامل خيار إستراتيجي، وأن الشرط المسبق لتحقيقه هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكامل الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت عام 1967م، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، بما فيها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة، وإطلاق سراح جميع الأسرى من سجون الاحتلال، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، استنادًا إلى القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وقرارات القمم العربية المتعاقبة، ومبادرة "السلام" العربية.
جديد البيان الختامي لهذه القمة هو دعوة الدول العربية لزيادة رأس مال صندوقي الأقصى والقدس بمبلغ 500 مليون دولار، ودعم موازنة فلسطين مدة عام تبدأ في 1 نيسان (أبريل) 2017م وفقًا لآليات قمة بيروت 2002م.
لم تنس القمة العربية قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وطالبت الجهات والمؤسسات والهيئات الدولية وهيئات حقوق الإنسان المعنية بتحمل مسؤولياتها بتدخلها الفوري والعاجل لإلزام الحكومة الإسرائيلية بتطبيق القانون الدولي الإنساني، ومعاملة الأسرى في سجونه وفق ما تنص عليه اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م بشأن معاملة أسرى الحرب، وإدانة سياسة الاعتقال الإداري لمئات الأسرى الفلسطينيين، وتحميل كيان الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى الذين يخوضون إضرابًا عن الطعام وعن حياة الأسرى كافة، والتحذير من سياسة العقوبات الفردية والجماعية، ومن خطورة الوضع داخل سجون الاحتلال.
يستذكر كثيرون تلك المفارقة بين قمة الخرطوم التي عقدت يومي 29 آب (أغسطس) و1 أيلول (سبتمبر) 1967م، بُعيد نكسة حزيران (يونيو) 1967م، وقمة البحر الميت الذي يعد "قاع" العالم، حيث ينخفض نحو 395 مترًا عن سطح البحر المتوسط.
ففي حين كان الموقف العربي الرسمي يردد مقولة: "نقبل ما يقبله الفلسطينيون" بات على الفلسطينيين اليوم أن يقبلوا ما يخطط له العرب، في ظل التغيرات الإقليمية والدولية الكبيرة، التي قلبت الموازين كلها تقريبًا، ووضعت الوطن العربي في زاوية ضيقة من الخيارات.
لعل أخطر ما دار في كواليس العرب في المدة الأخيرة أن ثمة تحركات جرت بعيدًا عن عيون الإعلام، سربتها بعض المصادر العبرية، دون التحقق من مصداقيتها، يفهم من سياقها أن هناك تفاهمات إقليمية ودولية على غير صعيد، ستعلن كأنها مبادرات عربية.
وهذا البيان يعبر عن حالة غير مسبوقة من التأزم يمر بها النظام العربي، نتيجة التدخلات الدولية في الإقليم، الذي شهد استباحة غير مسبوقة للوطن العربي، حتى بات التئام القمة في هذه الظروف إنجازًا كبيرًا للخروج بتوافقات الحد الأدنى الممكن، خاصة في الملفات الأكثر سخونة، وهي قضية فلسطين، والحرائق المشتعلة في كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق.
وسائل إعلام عربية نشرت مقترحات بلورتها أخيرًا الإدارة الأمريكية، وستُحمل إلى تلك الإدارة بوصفها _على ما يبدو_ مقترحات عربية، وتتكون المقترحات من عدة "مبادئ"، من أهمها أن على الفلسطينيين العودة إلى المفاوضات دون شروط مسبقة، بمشاركة عدد من الدول العربية الحليفة، ولن يكون هناك تجميد كامل للبناء الاستيطاني ولكن لن تقام مستوطنات جديدة، وعلى السلطة تعميق محاربة المقاومة ضد الكيان العبري.
وتطالب بإجراء تغيرات حقيقية في النظام التعليمي الفلسطيني وتغيير أسماء شوارع سميت بأسماء شهداء، مع وقف ما يسمى "التحريض" عبر وسائل الإعلام الفلسطينية، وتوقف السلطة عن دفع رواتب لأسر الشهداء والأسرى في السجون الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك التوقف عن تحويل أموال إلى موظفي قطاع غزة لأن ذلك يساهم في تمويل مصروفات حركة حماس، ومقابل هذا تتفهم أمريكا حاجة الفلسطينيين إلى مساعدات مالية، وتحسين الظروف المعيشية للسكان، ومقابلها تتعهد الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب مواصلة دعمها لفكرة حل الدولتين.
ويبدو أن الساحة في الكيان العبري بدأت التمهيد للنظر في هذه "المبادرة" بالحديث المبكر عن الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وحل الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي لن تقبل بتشكيلتها القائمة هذه المبادىء بسهولة.