نشرت صحيفة معاريف العبرية قبل عدة أيام لقاء في جزء أول مع الصهيوني إيهود باراك رئيس الوزراء الصهيوني السابق، حول محادثات كامب ديفيد التي سبقت انتفاضة الأقصى 2000، حيث ذكر باراك خلال المقابلة أن الوفد الصهيوني كان متوجهًا إلى كامب ديفيد وهو يحمل في جعبته ثوابت ثلاثة، أما الثابت الأول: فهو أن القدس عاصمة موحدة لـ(إسرائيل)، وأما الثابت الثاني: أن لا عودة للاجئين، والثابت الثالث: أن لا جيش أجنبي غرب نهر الأردن.
وهذا يعني أن كل ما قامت عليه عملية السلام الموهومة كانت بالنسبة للصهاينة مجرد خداع استراتيجي وقع ضحيته الجانب الفلسطيني الذي أقنع نفسه وما زال بوهم الحصول على الحق بالمفاوضات دون إسناد من قوى عسكرية أو حتى تأييد شعبي كاسح، ومن ثم وقع فريسة المكر الصهيوني الذي حقق أهدافًا عدة من خلال عملية السلام تلك، أولها إنهاء انتفاضة الحجارة التي كانت تكشف زيف رواية الاحتلال التاريخية بتلبس ثوب الضحية، والثاني: التخلص من كلفة الاحتلال وتسليم مئات آلاف السكان لإدارة ذاتية في شكل سلطة وطنية بلا سلطة، والثالث: إيجاد حسم سياسي "ممثل" لمجاميع السكان ممكن الضغط عليه والحصول مقابل الضغط على تنازلات كلما لزم الأمر، إذا لم يكن هذا الأمر متاحًا عند التفاعل مع المواطنين بشكل مباشر.
ومقابل هذا (الكرم الصهيوني) حصلت (إسرائيل) مقابل ذلك كله على اعتراف من منظمة التحرير بالحق في الوجود والعيش في خدود آمنة والتنازل لها عن حوالي ثمانين بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية.
ربما لم تكن حياة الفلسطينيين في أثناء الاحتلال من الناحية المعيشية أسوأ حالًا مما هي عليه الآن من عمل للمعابر وإمدادات الكهرباء والتعامل البطالة والخدمات الأخرى من تعليم وصحة وبنية تحتية (ليس لكرمه) ولكن بالتزامات الاحتلال الذي كان يتكفل بذلك كله بموجب قواعد القانون الدولي.
في مقابل شهادة باراك وجدنا شهادة أخرى لأحد الذين ساهموا في جريمة اتفاق أوسلو في ذلك الوقت وهو حسن عصفور الذي كتب مقالًا ذكر فيه أن باراك أطلق وابلًا من الأكاذيب.
ولكن حسن عصفور في الحقيقة أكد ما ذهب إليه باراك من خلال قوله: إن باراك أتى إلى كامب ديفيد وهو يستعد لحرب عسكرية ضد السلطة الفلسطينية ونعى على باراك أنه لم يقل الحقيقة، "وتجاهل كليًّا التنازلات الكبرى التي قدمتها منظمة التحرير ورئيسها الشهيد الخالد ياسر عرفات في مفاوضات أوسلو"، وكأن ميزة المفاوض الفلسطيني كانت تقديم التنازلات مقابل التعنت الصهيوني.
الآن وبعد مضي اثنين وعشرين عامًا على هذا الحدث لو أردنا أن نقيم الروايتين، فإن ما يجري على الأرض يقطع الشك باليقين في أن رواية بارك هي الصحيحة، وأن ما كان يحدث مجرد عملية "عصر لليمونة استنفدت كل عصارتها"، ولمَا تيقن القابض على المكبس أنها عُصرت حتى آخر قطرة قرر التخلص منها، وكان ما كان من حصار المقاطعة وعملية السور الواقي.
ويبقى التاريخ شاهدًا أن ما يسمى بعملية السلام ليست سوى فكرة مجنونة طرقت رأس أحدهم ظانًّا أنه يحقق اختراقًا ما في المجتمع الصهيوني.. فاستغل الصهاينة اللحظة أبشع استغلال ليوصلونا إلى ما وصلنا إليه اليوم، فهل نسمع في قابل الأيام اعتذارًا للشعب الفلسطيني من أصحاب هذه الفكرة البائسة؟ أم أن الكفر عناد؟