يمارس الاحتلال الإسرائيلي معظم أدوات ووسائل القمع التي تستهدف الأسرى الفلسطينيين داخل المعتقلات الإسرائيلية، وقرار جيش الاحتلال الموجه للبنوك العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة بإغلاق حسابات الأسرى والاستيلاء على أرصدتهم المالية والطلب بتحويلها لحسابات جيش الاحتلال، هو قرصنة علنية وخروج على كافة القوانين التي تكفل حقوق الأسرى وتوفر الحماية لعوائلهم، وهو نوع من الجرائم ضد الانسانية التي ينفذها الاحتلال بحق الأسرى وكافة الفلسطينيين.
القرار جاء خلال جولة المفاوضات غير المباشرة التي تدور بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال والتي يسعى الطرفان من خلالها الوصول إلى تنفيذ صفقة تبادل أسرى ثانية، بعد نجاح المقاومة في الإفراج عن أكثر من 1000 معتقل من سجون الاحتلال عام 2011 مقابل تسليم الجندي الإسرائيلي المعتقل لدى المقاومة "جلعاد شاليط".
من بين الأدوات الفاعلة والتي يوظفها الاحتلال للضغط على المقاومة هو مواصلة الهجمة الشرسة ضد المعتقلين وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، كذلك حرمانهم من معظم الوسائل الوقائية من فايروس كورونا، بالإضافة إلى منع إدخال أصناف كبيرة من الأدوية للأسرى المرضى وكبار السن الذين يعانون من أمراض خطيرة، كما تمنع إدارة السجون الإسرائيلية زيارة ذوي الأسرى لأبنائهم المعتقلين منذ ما يقرب من ثلاثة عشر عاماً، حيث تم إدراج عوائهم ضمن الممنوعين من الدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948، كذلك حرمانهم من استخدام أي وسائل هاتفية نقالة وسحب جميع الوسائل الخلوية، وفرض قيود صارمة حتى في مواعيد الزيارة لمن يتم السماح لهم، في موقف ينتهك حقوق الإنسان ويضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط، دون إعاقة دولية لتلك الإجراءات العنصرية والمجحفة والتي تُعد خرقاً لكافة الاتفاقات الدولية والتي بموجبها يتم الحفاظ على حقوق الأسرى في سجون الاحتلال وعدم تعرضهم لجرائم بشعة تنتهك حقوقهم الإنسانية البسيطة وحقهم في تلقي الخدمات الطبية والحصول على الغذاء، ومقابلة ذويهم بطريقة إنسانية داخل المعتقلات، وحقهم في الحصول على مخصصاتهم المالية كما فرضها القانون.
إن هشاشة الدور الذي تقوم به مؤسسات حقوق الإنسان تجاه المعتقلين الفلسطينيين، وهيئات الدفاع عن الأسرى والمعتقلين، والهيئات الدولية التي تحارب العنصرية والتطرف، يظهر تواطؤها العلني مع دولة الاحتلال وموافقتها على جرائم الاحتلال التي تنتهك معايير وقواعد وأهداف تلك الهيئات في ظل غياب الرادع وغياب القانون وغياب الدور العملي والمهني للهيئات العالمية التي بإمكانها تجريم الاحتلال والتصدي لتلك الانتهاكات ووقفها بصورة نهائية.
إجراءات الاحتلال بحق الأسرى تهدف للضغط على المقاومة بالإسراع في تنفيذ صفقة تبادل أسرى بشروط الاحتلال، وقد يعقب ذلك المزيد من إجراءات القمع والدخول في مسرح عمليات يستهدف مفاصل المقاومة في الضفة تحت وطأة التنسيق الأمني، وبالتالي فإن فرص عقد الصفقة ما زالت ضعيفة انعكاساً لممارسات الاحتلال بما فيها بعض التصريحات للصحف العبرية التي تتوقع حدوث تصعيد خطير في الأيام المقبلة.
إغلاق حسابات الأسرى سيدفع المقاومة بتحديد أولوياتها في الأيام المقبلة، إما مواصلة التفاوض والوصول إلى الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، أو العودة إلى قواعد الاشتباك من جديد والتفاوض تحت النار، كسيناريو يفرض على الاحتلال الولوج في منعطفات أكثر خطورة من جائحة كورونا التي تلقي بظلالها على دولة الاحتلال. خيارات الاحتلال ستكون صعبة بكل تأكيد والدفع بعجلة التفاوض قد يكون السمة الأبرز والقرار الأمثل له.