فلسطين أون لاين

"العويوي" تروي لـ"فلسطين" ذكريات 30 يومًا

رمضان في الأسر.. "الحرائر" صنعن المسابح من "العجم"

...
غزة-يحيى اليعقوبي

 

كان الفرح ممنوعًا بالسجن، إذا سمع جنود الاحتلال أصوات الفرح والأناشيد قادمة من غرف الأسيرات يأتون على الفور لمنع ذلك أو يحضرون قوات القمع، أصعب لحظة عليهن هي عند الإفطار فيها يفتقدن لمة العائلة، لكونهن أمهات، لكن حاولن خلق أجواء روحانية بالصلاة الجماعية وفسحة من الفرح، فقمن بخطوات احتجاجية وسمح لهن بالتزاور بين الغرف.

يحاول الأســرى والأســيرات إشغال وقتهم ببعض الأشغال اليدوية إذا توافرت المواد الخام في رمضان، ولكن نظرًا لمنع إدخال هذه المواد منذ أكثر من سنتين بات البديل الأكثر توافرًا وفائدة هو صنع المسابح من عجم الزيتون.

هي عمــلية مجهدة جدًّا ومكلفة، فالأســيرة تضطر إلى شراء الزيتون من الكنتينا لتوفير العجم؛ فهو أكبر حجمًا من الزيتون الذي تقدمه إدارة السجن أحيانًا، مرة واحدة في الأسبوع.

"كنت ممن تعذر عليهن إنجاز مسبحة كاملة نظرًا لمشكلة في عظام يدي، فكنت أسعد بهدية بعض رفيقات الأســر لعجم الزيتون محتوت الأطراف بأرضية السجن، ولم تكن لدي مشكلة في إكمالها بعد تعلم الطريقة من الأســيرات، أهديت مسبحة واحدة بتعداد 99 حبة لأمي فقط، والباقيات بعدد 33 حبة".

بتلك الذكريات تستهل الأسيرة المحررة سوزان العويوي حديثها إلى صحيفة "فلسطين".

وأسر الاحتلال العويوي في الخامس من حزيران (يونيو) 2018م، وأفرج عنها في 13 أيار (مايو) 2019م، أمضت رمضانها الأول في السجون في قسم التحقيق بسجن عسقلان، ورمضانها الثاني بين الأسيرات في سجن "الدامون"، وبقيت تلك الأيام الثلاثين محفورة في ذاكرتها.

الثلاجة عند الأسيرات

في السجن تغلق أبواب الزنازين على الأسيرات منذ الساعة السادسة من مساء كل يوم، ويمنع بعد ذلك بطبيعة الحال توفير أي مستلزم للأسيرات من خارج زنازينهن، مهما كان، حتى الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي.

في الشتاء يكون الأمر مقبولًا قسرًا، لكنه في الصيف وفي رمضان الحار تحديدًا يصبح أمرًا شاقًّا، فعلى الأسيرات إدخال وجبة السحور، التي تتكون غالبًا من مشتقات الألبان واللحوم المصنعة، يجب إدخالها قبل موعد الفطور، وعليهن أن يحافظن عليها في ظروف تضمن عدم فسادها في أجواء حارّة جدًّا وعالية الرطوبة، فما الحل؟

تقول العويوي: "اخترعت الحركة الأسيرة (ولا أعرف تاريخ الاختراع أو مخترعه) ثلاجة بلا كهرباء، وهي عبارة عن صندوق بلاستيكي يُغطى من الداخل بشرشف أو بطانية صغيرة توضع بها علبتان أو ثلاثة من الماء المثلج، وبين هذه العلب توضع وجبة السحور، ثم تُلف جيدًا وتُحفظ في أبرد منطقة في الزنزانة للحفاظ على برودتها أطول مدة ممكنة".

ما زالت تبحر في ذكرياتها في رمضان، وهذه المرة تتوقف عند إجراءات إدارة سجون الاحتلال في رمضان، عائدة بصوتها لتلك المدة الأليمة من حياتها: "لم تعط إدارة السجون أي خصوصية لشهر رمضان، أمضيت رمضانين: الأول كان في تحقيق سجن عسقلان بمفردي، وكانت تأتيني وجبة الإفطار بعد أذان المغرب بساعة، وقبل السحور بساعتين، لتخريب الساعة البيولوجية للجسم، أذكر في ليلة العيد تطلب الأمر ساعتين من التفاوض مع السجانين حتى أعرف هل الغد صيام أم اليوم الأول للعيد".

مواقف وذكريات

خلف القضبان وخارجها قد يتشابه اسم الطعام، لكن من حيث مكوناته فالأمر مختلف تمامًا، توضح: "الأكل في السجون لا طعم له ولا رائحة، الخضار سيئ وتالف، الدجاج يسلق دون تنظيف، لحمة العجل المسلوقة فاسدة ريحتها نتنة، وتمنع إدارة السجون إدخال أي لحوم نيئة".

لتجنب الطعام السيئ الذي تعده إدارة السجون، تلجأ الأسيرات إلى الطبخ على شيء ليس بغاز يسمونه "بلاطة" يعمل على مبدأ توليد حرارة بطيئة، لكن إعداد وجبة الطعام عليها مرهق ويحتاج إلى عدة ساعات، تستعرض تلك الصعوبة بعد أن سبقتها بتنهيدة ترثي حال الأسيرات: "أذكر أن إحدى الأسيرات استمرت بالعمل منذ الصباح حتى الثامنة مساءً حتى طهيت، تخيل أنك تحتاج إلى ساعتين على هذه "البلاطة" حتى تقلي حبة باذنجان".

أما الحلوى فهي مكونة من خبز مجفف، يُنقع بالماء ليصبح لينًا وتعد الأسيرة "مهلبية" جامدة وليست سائلة وتُحشى بالخبز بشكل دائري "رول" ويضاف إليها القطر، هنا تخرج منها ضحكة عفوية: "هذه أكبر أنواع الحلويات في السجون".