لا يمكن الفصل بين ما يجري على أرض غزة من حرب إبادة ضد السكان، وبين ما يجري على أرض الضفة الغربية من حرب إبادة للأرض، ومن تطهير عرقي، يهدف إلى ترسيخ الفكرة الصهيونية التي تقول: إن أرض الضفة الغربية هي النواة الصلبة لأرض "إسرائيل" التوراتية، وأن هذه الأرض ملك خالص لليهود، ورثوها عن السلف، كما أكد على ذلك نتانياهو، في رده على قرارا محكمة العدل الدولية، التي اعتبرت الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي.
لقد شهدت الفترة الماضية جملة من الاعتداءات الصهيونية على أرض الضفة الغربية لا تقل إرهاباً وقهراً عن العدوان الذي يتعرض له أهل غزة، ولا تخفي السياسية "الإسرائيلية" نواياها بأن اليوم التالي للحرب على غزة، يتضمن الضفة الغربية بمساحاتها الممتدة من نهر الأردن وحتى أطراف مدينة تل أبيب "كفار سابا ورعنانا"، لذلك فهجوم الجيش "الإسرائيلي" على مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية، لا بهدف إلى مواجهة رجال المقاومة، وإنما يهدف إلى ترحيل الشعب الفلسطيني.
في مثل هذه الحالة من كثافة العدوان "الإسرائيلي" وانكشافه على الواقع، فالواجب الوطني يقضي أن تتضافر جهود الفلسطينيين على مختلف انتماءاتهم السياسية والتنظيمية لمواجهة عدو لا يفرق بين ضابط أمن في السلطة الفلسطينية، وبين مقاوم يحمل روحه على كفه، ولاسيما بعد أن أصدر وزير الحرب الإسرائيلي أوامره باستخدام سلاح الجو "الإسرائيلي" بطائراته الحربية F16، وغيرها من الطائرات المقاتلة ضد المدنيين في مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية.
وبحزن شديد نقول: إن هذه الحالة العدائية النافرة من الجيش "الإسرائيلي" ضد سكان الضفة الغربية ترافقت مع حملة اعتقالات قذرة للمقاومين الفلسطينيين تقوم بها الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، وقد وصل عدوان الأجهزة الأمنية إلى حد الاشتباك المسلح في طولكرم قبل يومين، حين حاول ضباط وجنود الأجهزة الأمنية اعتقال أحد المقاومين من داخل المستشفى، ووصلت حد الاشتباك المسلح مع الأهالي حين حاول ضباط الأجهزة الأمنية اعتقال أحد المقاومين في بلدة طوباس، وسط الضفة الغربية.
لقد جاء هذا العدوان المشترك والمنسق على رجال المقاومة بعد اعتقال المخابرات "الإسرائيلية" أكثر من 9 آلاف من شباب الضفة الغربية، وبعد استشهاد أكثر من 530 من ضمنهم 131 طفلًا، منذ معركة طوفان الأقصى، وجاء اعتداء الأجهزة الأمنية للسلطة على شباب المقاومة بعد موجة استيطان جائرة، وبعد اعتراف الحكومة "الإسرائيلية" بـ 13 بؤرة استيطانية حصلت على مكانة مستوطنات جديدة؛ وجاءت بعد صدور قرار الكنيست "الإسرائيلي" الذي يحرم قيام دولة فلسطينية، وجاءت بعد مصادرة مئات الآلاف من الدونمات من أرض الضفة الغربية لاستخدام الزراعة والمرعى؛ وبعد بناء عشرات ألوف الوحدات السكنية في مستوطنات الضفّة الغربية؛ وجاءت بعد شق آلاف الكيلومترات من الطرق الالتفافية، التي مزقت الضفة الغربية، وجاءت بعد تطوير القدرة القتالية "لكتائب الدفاع الصهيونية" وجاءت بعد إخلاء آلاف الخيام البدوية وطرد سكّانها بمساعدة المتطرفين من شبّان التلال.
فهل ترى السلطة الفلسطينية نفسها جزءاً من اليوم التالي للحرب على غزة، وبادرت إلى هذا الفعل الشنيع للتأكيد على حسن النوايا، وللتأكيد على الاستعدادية للعمل ضد المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة معاً؟ وهل تندرج ملاحقة رجال المقاومة في الضفة الغربية تحت بند نحن جاهزون، وصادقوا الرغبة في أن تكون السلطة جزءاً من الصفقة المشبوهة، التي ترتب لها أمريكا و"إسرائيل" وبعض المشبوهين من أنظمة عربية، يما يسمونه "اليوم التالي في غزة"؟
توسع رقعة المواجهات بين الأجهزة الأمنية ورجال المقاومة دليل على أن السلطة الفلسطينية تحضّر نفسها لمرحلة قادمة، وتحاول أن ترسل رسائلها إلى نتانياهو وغيره من المتطرفين الصهاينة، بأنهم مطيعون، وأنهم يصلحون، وأن سياسية تجاهل السلطة خاطئة، وان لا بديل عن السلطة لإدارة شؤون غزة
وللتوضيح فقط، فإن اعتداء الأجهزة الأمنية على رجال المقاومة في الضفة الغربية يتعارض مع اتفاق المصالحة الذي وقع في الصين قبل أيام، ويتعارض مع قرار محكمة العدل الدولية التي طالبت الصهاينة بإنهاء احتلالهم للأراضي العربية المحتلة، وأجازت مقاومة المحتلين وفق القوانين الدولية، وكان الأحرى بضباط وجنود الأجهزة الأمنية حماية الفلسطينيين، ومطاردة المستوطنين الصهاينة، وملاحقتهم، والحيلولة بينهم، وبين مواصلة الاعتداء على الأرض الفلسطينية، وعلى الإنسان الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة في الضفة الغربية وقطاع غزة.