فلسطين أون لاين

في خيمة النزّوح.. الصّواريخ لاحقت الطفلة ندى وأسرتها

...
الوسطى - نبيل سنونو

تراقصت الفرحة في قلب الطفلة الغزية ندى الهسي وهي ترتدي ثوب الصلاة وتدور حول أمها في خيمة النزوح قائلة لها: "أنا عروسة" قبل أن يخيم الحزن في المكان.

تحاملت ندى (تسعة أعوام) على نفسها وتعالت على جراح 10 أشهر من حرب الإبادة الجماعية ومحطات النزوح التي بدت لها جحيما، لكن كأن هذا الهم وحده لا يكفي.

في أكتوبر/تشرين الأول أجبرت شريهان الهسي مع زوجها وأطفالها: دنيا وجنان وملك وجمال وندى على النزوح من منزلهم في منطقة السودانية عندما صبت طائرات الاحتلال حممها على الغزيين العزل.

كان ذلك فاتحة لمحطات وجع عانت من فصولها عائلة الهسي حالها كحال مليوني غزي نازح.

"قاسية جدا.."، بهذا تصف الأم الأوضاع التي مرت بها أسرتها، مضيفة لـ"فلسطين أون لاين": أجبرنا على النزوح من بيتنا إلى أماكن عدة داخل مدينة غزة إلى أن وصل بنا الحال إلى مستشفى الشفاء التي قصف الاحتلال محيطها بكثافة قبل اجتياحها.

في نوفمبر/تشرين الثاني نزحت الأسرة إلى مخيم النصيرات مشيًا على الأقدام.

"في طريقنا، كان جنود الاحتلال وراء كثبان رملية، ونادوا على زوجي بلون ملابسه"، لحظات رعب ترويها شريهان.

وينتهج جيش الاحتلال  قتل أو اعتقال النازحين في الطريق أو في أماكن النزوح التي يزعم أنها "آمنة".

كان الأب المثقل ببطانيتين فوق رأسه يحمل هم حرب الإبادة والشعور بالخطر المحدق من جنود الاحتلال.

همست في أذن زوجها: "خايفة عليك"، فرد عليها: "امشي ووكلي أمرك لله".

بغتة قرر الوقوف، فقالت له: "يا بنوقف كلنا يا بنمشي كلنا، بنموت سوا أو بنعيش سوا"، قبل أن يكملا المسير.

ورافقت الأسرة شح الإمكانات، إذ تقول شريهان: من كان يملك مالًا فقده أو أنفقه لاسيما مع موجة الغلاء والنقص الحاد في البضائع بسبب العدوان.

وصلت الأسرة بصعوبة إلى رفح ولم يتوفر لها سوى فرشة واحدة ينام عليها ستة أفراد فيما يحرسهم السابع.

وأخيرًا تمكنت أسرة ندى بعد معاناة من اقتناء خيمة في رفح بجهود ذاتية. لكنها أجبرت على النزوح مجددًا في مايو/أيار عندما اجتاحت قوات الاحتلال رفح.

عادت أسرة ندى إلى النصيرات وكان في انتظارها هناك ثلاث محطات من القصف.

أولى هذه المحطات -والكلام لا يزال للأم- تمثلت بقصف مرفق في مدرسة مجاورة لمركز الإيواء الذي تقيم فيه حاليًا حيث امتدت الشظايا إليه. والثانية عندما قصف الاحتلال طابقًا في مدرسة مجاورة، ووصلت أيضًا الشظايا إليهم. أما الثالثة فهي التي تركت ندبًا لا ينسى في جسد وروح ندى ووالدتها واثنتين من أخواتها.

إصابات متعددة

في 16 يوليو/تموز، عند الثانية ظهرًا انشغلت شريهان بالطبخ داخل خيمة النزوح في مدرسة ذكور النصيرات "أ" بينما كانت ندى تلهو.

دون سابق إنذار، قصفت طائرات الاحتلال بركسًا داخل المدرسة مجاور لخيمة أسرة ندى. لم تر شريهان في هذه اللحظة سوى نيرانًا مشتعلة، دون أن تعرف مصير أي من أطفالها.

"سقطتُ أرضًا وأغمى علي لوهلة قبل أن أزحف لأغلق أنبوبة الغاز بيدي المشتعلة لئلا تنفجر بنا"، تروي شريهان حكاية ألمها.

سرعان ما صرخت الأم وهرعت إلى إدارة المدرسة لتجد طفلتها ندى تتأوه هناك.

أصيبت ندى بقدمها اليسرى وفخذها الأيمن حيث اخترقتهما الشظايا بينما عانت من حروق في يدها، أما الأب الذي كان يتواجد في خيمة مجاورة طار إلى ساحة المدرسة من شدة القصف وأصيب برضوض، وفق شريهان.

وأصيبت جنان وملك ببعض الحروق، بينما كان جمال ودنيا خارج المكان.

وكانت إصابة ندى أشد وطأة، وقد نجت من إصابة أكثر فداحة عندما علق ثوب الصلاة الذي ارتدته بكرسي مشتعل وكاد يحرقها لولا تدخل جارتها.

تقول شريهان: شاهدت ثقبًا دائريًا في قدم ندى، كأنما مزقتها الشظايا.

نقلت ندى إلى مستشفى العودة قبل أن يستقر بها الحال في مستشفى شهداء الأقصى الذي لا تزال تتلقى فيه العلاج، أما أختاها ملك وجنان فتتابعان بين الحين والآخر في المستشفى لإجراء الغيارات المناسبة.

تفترش ندى مع والدتها الأرض في قسم الطوارئ بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، حيث يكتظ بالمرضى والمصابين الذين يصلون تباعًا بما يتجاوز الطاقة الاستيعابية له بفعل استهداف الاحتلال للمستشفيات.

ويقارب عدد الشهداء والمفقودين الغزيين 50 ألفًا فيما يتجاوز عدد المصابين 90 ألفًا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

لكن ندى أصيبت أيضًا بما تصفه والدتها "عقدة نفسية" تدفعها إلى البكاء كلما رأت مصابًا.

تقول ندى: كنت ألعب، وعندما حدث القصف هرعتُ بثوب الصلاة لكنه كان عالقًا بالكرسي وسرعان ما تخلصت منه وتوجهت لوالدي بقدم واحدة، وقلت له: إنني لا أشعر بالأخرى.

وقبل شن حرب الإبادة على القطاع كانت ندى تدرس في الصف الثالث الابتدائي، لكنها رغم انقطاعها القسري عن التعليم منذ 10 أشهر لا تزال تحلم بإكمال دراستها.

وتطمح الطفلة إلى أن تتخصص في الطب، قائلة إنها تريد أن تعالج المرضى والمصابين لئلا يشعروا بوجعها.