يُعد الإعلان المشؤوم للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" حول صفقة القرن التي تطال بشكل أساس الضفة الغربية وهي المناطق الأكثر تركيزاً للاحتلال، لتنفيذ مخططات الضم وتوسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي الفلسطيني، هو الركن الأهم في هذه الصفقة، حيث يسعى الاحتلال لتطبيق الاتفاق الثنائي بين "نتنياهو" و"غانتس" الذي بموجبه وافق الأخير على الانضمام لحكومة ائتلاف إسرائيلية بعد فشلهما في تحقيق الفوز في الانتخابات الثلاثة التي عُقدت ولم يستطع أي منهما تشكيل حكومة إسرائيلية منفرداً.
قرارات الضم التي تعد جزءاً من المخططات الإسرائيلية هي كذلك حلقة من حلقات تصفية القضية الفلسطينية في ظل غياب المجتمع الدولي المنهمك في جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة على العالم بأسره، وقد يستغل الاحتلال هذه المرحلة الأكثر حساسية لتنفيذ جزء كبير من مخططاته في الضفة الغربية، تنفيذاً لبنود صفقة القرن التي أجمعت عليها القوى الدولية المناهضة للحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية، المشارِكة في رسم سياسات الاحتلال في ظل كبح الوعي العربي الذي يُعد أحد مفاعيل القوة المواجهة لصفقة القرن ولكل المخططات الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط.
فبعد انعدام قدرة الشعوب على إنعاش ثورات الربيع العربي من جديد، وعدم استطاعتها كذلك الحفاظ على مواءمة تلك الثورات لأهدافها، سقطت بعض المفاهيم التي تساهم في تعزيز حالة الرفض العام للتدخلات الغربية في المنطقة، ومن هذا المنطلق جاءت الثورات المضادة التي تقودها قوى الشر المعادية لأي تحلل عربي من براثن الاحتلال وأنظمة القمع الفاسدة.
قياساً لذلك فإن الحالة التي تفرضها السلطة الفلسطينية في الضفة وكبحها جماح المقاومة بكل أدواتها مهدت الطريق للاحتلال لاستباحة ما تبقى من أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967، حيث تشير بعض التقارير إلى أن الجدار الفاصل ضم 733 كيلومترا مربعا من أراضي الضفة الغربية البالغة مساحتها 5655 كيلومترا مربعا، وهو ما يمثل 13% من أراضي الضفة الغربية، كذلك ضم الجدار الفاصل ما يقرب من 50% من الكتل الاستيطانية المقامة في الضفة، كذلك من بين الأراضي التي سيعلن الاحتلال عن ضمها رسمياً مناطق الأغوار التي تبلغ مساحتها 1640 كيلومترا وتمثل 29% من أراضي الضفة الغربية، أي أن الاحتلال سيضم جزءا كبيرا من أراضي الضفة، وسيعلن السيادة الإسرائيلية على ما يقرب من 60% من أراضيها.
قرارات الضم والتوسع تأتي في سياق التنسيق الأمني المتواصل وجذوة ملاحقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية لعناصر المقاومة في الضفة الغربية، وتراجع مكانة القضية الفلسطينية في المنطقة التي أصبحت محوراً عالمياً للتطبيع مع الاحتلال، وتنفيذ سياسات الاحتلال في منطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت مهدداً أساسياً للقضية الفلسطينية وصولاً لموافقة بعض الأطراف العربية على صفقة القرن وتوفير كل السبل والوسائل اللازمة لتنفيذها، كجانب من جوانب التطبيع العربي-الإسرائيلي الذي يتنافى مع المبادرة العربية للسلام التي كان من أهم قراراتها: متابعة العمل على تعزيز التضامن العربي في جميع المجالات صوناً للأمن القومي العربي ودفعاً للمخططات الأجنبية الرامية إلى النيل من السلامة الإقليمية العربية، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته الباسلة في وجه الاحتلال الإسرائيلي وآلته العسكرية التدميرية وقمعه المنهجي والمجازر التي يرتكبها باستهداف الأطفال والنساء والشيوخ دون تمييز أو رادع إنساني، وتأكيد الدعم الثابت للشعب الفلسطيني بمختلف الأشكال تأييداً لنضاله البطولي المشروع في وجه الاحتلال حتى تتحقق مطالبه العادلة المتمثلة بحقّ العودة وتقرير المصير وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
إن أبرز ملامح مواجهة مخططات الاحتلال تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام فوراً، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من سجون السلطة الفلسطينية، وإطلاق العنان للمقاومة الشعبية بالضفة الغربية والكف عن ملاحقة عناصر المقاومة، وإنهاء دور السلطة الوظيفي الذي منح الاحتلال فرصة تاريخية في تنفيذ صفقة القرن على 21 % مما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، والتحلل من كل الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير مع الاحتلال، بما فيها اتفاق أوسلو- المنعطف الكبير الذي بدد مستقبل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بالداخل والخارج.