عطفًا على مقالي السابق وتعزيزًا بما خرج من "هاشتاقات" قويّة ووازنة تؤكد أن نبض قلوب الغالبية الساحقة لشعوبنا العربية مع فلسطين والقدس، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقرّ بأيّ حق للاحتلال على ذرة من تراب فلسطين.
وهنا لا بدّ من السؤال: من؟ ولماذا؟ تمامًا كأيّ عمل تفجيري إرهابيّ متوحش في مكان آمن يستهدف المدنيين الآمنين، فنسأل السؤال البديهيّ السريع: من يقف خلف هذا العمل؟ فنستنتج بكل دقّة وموضوعية أن هذه الجهة معادية لهذا الشعب الذي تصنع فيه مثل هذا القتل البشع، وأنّ طبيعة هذا الفعل تدلّ على طبيعة من قام به فهو دمويّ مجرم قاتل يحمل أفكارا متطرفة منحرفة ويحمل مشاعر قاسية لا تعرف الرحمة، ولقد شهدنا مثل هذا من جماعات متوحشّة تنتهج سفك الدماء البريئة نهجا لها بغية الوصول إلى أهدافها.
ولا يقلّ هذا العمل الصادم بشاعة عن هذه الأعمال التفجيرية المتوحشة، إذ إنه بما لا شكّ فيه يحاول ضرب قيم وتصورات ثابتة وراجحة في العقل الجمعي للأمّة، وهذا أيضا يقودنا تماما كجرائم العنف المتوحشة إلى أن نعرف من يقف خلفها، فهو كتلك، جهة معادية بل في موقع متقدم من العداء يجعلها تفكر في إحداث مثل هذه التفجيرات الثقافية العنيفة في الثقافة العامة لشعوبنا.
صحيح أن هناك تصورات ومفاهيم تحتاج إلى نقد وتقويم وتجديد ونعلم أنه ليس شرطا للأديب أو المفكر أو الفنان أن ينسجم مع الموروث الثقافي بل بالعكس عليه أن يكون ناقدا حيويا ولكن بالاتجاه الإيجابي التطويري لهذا الموروث، وهذا هو دور النخبة المثقفة أصلا.
ولكن هنا أرادوا ضرب هذه الثقافة من جذورها وهدم الموروث الإيجابي فيها، أرادوا إحداث ثغرة باتجاه الهبوط بمستوى الخنوع والرضوخ للمستعمر المستبدّ، فالفكر التجديدي عادة ما يكون ثوريا متحرّرا من آصار وأغلال ثقافة تريد له الهبوط أو التخلف أو الرضوخ لأفكار الهزيمة والاستسلام للواقع المهزوم، أمّا أن نُدفع باتجاه قبول المستعمر المحتلّ والتعايش معه وتفهّم وجوده الذي بني على جماجم أطفالنا وتشريد أهل فلسطين وإقامة كيانهم على أنقاض مئات المدن والقرى الفلسطينية التي هجّروا منها بارتكاب القتل والمجازر والتوحش الفظيع.
والأدهى والأمرّ أنهم يخرجون لنا بهذه الأعمال الفنيّة في الوقت الذي ما زال هذا العدوّ مصرًّا منذ وجوده إلى اليوم على ذات الإجرام من عدوان واستيطان وقتل واعتقال وانتهاك لكل المقدسات. لم يعلن التوبة ويقدّم اعترافا بما اقترفت يداه، بل ما زال مصرّا ويزداد إمعانا وتقدما في كلّ أساليب البطش والعدوان.
وكما كنا نستهجن إقدام جماعات التكفير والإجرام أحيانا على أعمالها في رمضان دون أي مراعاة لحرمة هذا الشهر الفضيل، يداهمنا هؤلاء بصنيعهم المريع في شهر رمضان دون أي مراعاة لحرمة هذا الشهر ولتكون الصدمة أكبر وحالة الرفض والاستهجان أعظم.
عودة على من يقف خلف هذه الأعمال وهم الآن يهلّلون له ويستبشرون وهو هذا الاحتلال ومن يدورون في فلكه، فقد كان أقصى ما يتمنى أن يحظى بأي قبول في المنطقة، وأن يتحوّل من الاستعمار إلى قابلية الاستعمار، هو الآن ينتشي ويشرب نخب هذا الإنجاز ويشعر بالانتصار لإحداثه عبر هؤلاء الجرذان الشاذة هذا الاختراق، ولكنه في نفس الوقت لا يدرك حجم الغضب الذي ولده هذا الفعل في صدور الغالبية الساحقة للشعوب العربية والإسلامية. بالمقابل على سبيل المثال هناك الملايين التي تتابع الإنتاج التركي الأخير (مسلسل قيامة عثمان بعد النجاح الكبير لأرطغرل)، هذا الذي يضرب فكرة الخضوع والاستسلام لكل أشكال الظلم والعدوان من أساسها ويعزّز ثقافة العزّة والحريّة والتحرّر من كلّ أشكال الطغيان. فشتان بين فنّ هادف بانٍ ومرتفع بالروح العامة للأمة وعمل يتفنّن في خدمة أهداف أعداء الأمة هادم منخفض بالروح ومرتمٍ في أحضان الشيطان وحزبه.