مع كل حدثٍ كبير يتعرض له قطاع غزة، تزداد كمية الأخبار التي يتداولها الناس، والتي سرعان ما يتبين أنها ليست إلا مجموعة من الإشاعات، وفي الوقت الحالي فإن مواقع التواصل الاجتماعي وفّرت بيئة خصبة للإشاعات ليصبح انتشارها أكثر سهولة وسرعة.
مقصود وعفوي
يقول المدون والكاتب الإعلامي صابر أبو الكاس: "من الإشاعات ما هو مُتعمد، ومنها ما هو عفوي غير مقصود، فهناك من يسعى لتحقيق سبق في نقل خبرٍ، وسرعان ما يبدأ بالنقل والنشر، ولا سيما عبر صفحات مواقع التواصل، دون الانتباه لخطورة ما يفعله، ومن يتّبعون هذا الأسلوب يجب توعيتهم وتقديم النصح لهم حتى لا يكونوا أدوات في أيدي المتربصين بمجتمعنا والقاصدين لنشر الأكاذيب وبث السموم".
ويضيف لـ"فلسطين": "مواقع التواصل من أهم الوسائل التي ساهمت في زيادة الإشاعات، وذلك لسهولة استخدامها وسرعة التعامل معها في ظل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الكبيرة التي باتت تغزو كل مكان في العالم، واستخدام هذه المواقع بشكل خاطئ في تداول الشائعات يساهم في تشكيل الرأي العام لدى المجتمع، فتصبح المعلومة مُصدَّقة، بالرغم من أنها تكون في أحيان كثيرة منقوصة أو مغلوطة".
ويتابع: "من الضرورة عند تداول أي معلومة التأكد أولًا من صحتها من خلال معرفة مصدرها والجهة التي تحدثت بها، فإن كانت هذه الجهة معروفة وموثوقة كان بها، وإلا فلا ينبغي تصديق المعلومة".
ويوضح أبو الكاس: "ما سبق يسري على جميع الدول وكافة المجتمعات، فكيف إذا تعلق الأمر بفلسطين، وتحديدا قطاع غزة!، هنا تكثر المسؤولية ويزيد الحرص في التعاطي مع أي معلومة جديدة أو شائعة يُروج لها، لأن فلسطين أرض محتلة من عدوٍ يسعى إلى تفتيتها وتفريقها بأي وسيلة كانت، والإشاعات من أبرز وسائله المعهودة في تحقيق ذلك".
ويبين أن من دوافع نشر الإشاعات العدوان تجاه الشخص المستهدف بالإشاعة لتشويه سمعته أو تغيير موقف الناس منه، والتنبؤ، أي الإشارة إلى احتمالات مستقبلية يعتقد مروجوها قرب حدوثها، كما قد يكون الهدف هو الاختبار وذلك بإطلاق الإشاعة كبالون اختبار لمعرفة رد فعل الناس في حال حدوث شيء ما، لافتًا إلى أن "هذه الدوافع كثيرًا ما تحدث في مجتمعنا الفلسطيني ويكون من ورائها الاحتلال ووسائل إعلامه، بينما يقع بعض مستخدمي مواقع التواصل في أمر يُطلق عليه جذب الانتباه، ويبدو فيها ناقل الإشاعة أنه عليم بالأحداث، وكاشف لخبايا الأمور، لديه مصادره المهمة والخاصة التي يستقي منها المعلومات".
وبحسب أبو الكاس، فإنه ومن الضروري للحد من الإشاعات اتخاذ عدد من الإجراءات، وأهمها التثبت عند نقل معلومة ليس لها مصدر موثوق، واستشعار المستخدم المسؤولية الدينية المجتمعية والوطنية فيما ينشره، لأن تناقل المعلومة دون تثبت من صحّتها قد يودي بالمجتمع للهاوية، وربما يكون الشخص نفسه ضحية لذلك وهو لا يعلم.
ويؤكد على وجود دور ملقى على عاتق جهات مختلفة في المجتمع، مثل المدرسة والجامعة والمسجد، فهذه المؤسسات لها دور كبير في توعية الناس بخطر الإشاعات، موضحًا: "ليس بعيدًا عن ذلك كله الإعلام الوطني، عليه الدور الأكبر في التوعية، لا سيما أن الاعلام في كل المجتمعات هو السبب الأول في نشر الإشاعات أو نفيها".
ويرى أبو الكاس أن "الإجراءات السابقة إن لم تكن عاملًا مهمًا في ثني بعض مروجي الإشاعات عن أفعالهم وتعمدهم لنقلها، فهنا لا بد من المعالجة القانونية بلجم هذه التصرفات غير الوطنية والأخلاقية من خلال المراجعة والمعاقبة والمحاسبة".
وعي أكبر
ومن جانبه، يقول المختص في الإعلام الجديد خالد صافي لـ"فلسطين": إن انتشار الإشاعات بدرجة كبيرة في أوقات التوتر يعود إلى غياب المعلومة الحقيقية فيركن الناس إلى تصديق أي خبر يشبع رغبتهم في المعرفة، بالإضافة إلى أن جهات رسمية إسرائيلية تسعى بشكل كبير لتمرير إشاعات لزعزعة المجتمع الفلسطيني ولإرضاء الجبهة الداخلية عند الاحتلال، وكذلك اهتمام البعض بالسبق الصحفي ونقبل أخبار مبهرجة تجمع أعدادًا كبيرة من المتابعين، وبعد ذلك يأتي عامل مهم جدًا في انتشار الإشاعات وهو جهل المستخدم وعدم قدرته على التحقق من المصداقية، وكل مستخدم يأخذ بالمعلومة يدورها لشبكته فتنشأ "بركة من المعلومات المغلوطة"، يتناقلها الناس دون الرجوع للمصدر.
ويضيف: "قبل مواقع التواصل كانت الإشاعات قليلة ومحصورة في بعض وسائل الإعلام، ولذا كان على الوسائل الإعلامية مهمة كبيرة للتحقق من الأخبار قبل نشرها، ولكن حاليًا كل شخص يمكن أن يكون وكالة أنباء ويستخدم العديد من القنوات عبر كل مواقع التواصل".
وعن التحقق من المعلومات، يوضح صافي: "لا نطلب من المستخدم أن يمتلك معرفة صحفية وقدرة إعلامية، ولكن بالدرجة الأولى عليه ألّا ينشر أخبارًا منسوبة للاحتلال ووسائل إعلامه، وأن يسأل دومًا عن المصدر، وأن يتريث بدلًا من الاهتمام بالحصرية، وأن يتوقع صدى أي معلومة ينقلها على الجمهور حتى لو كانت حقيقية، ولأصحاب القدرات في التعامل مع الإنترنت يمكن الرجوع إلى الإنترنت والبحث بدقة عن الخبر".
ويبيّن: "بعد كل التجارب التي مرّ بها الغزّيون من حروب وحصار وأزمات، فإنه في كل مرة يكون من الواضح وجود وعي أكبر في التعامل مع الإشاعات، لكن يبقى عدد المستخدمين كبيرًا والأزمات كثيرة، مما يجعل السيطرة على الأمر صعبة".
ومن وجهة نظر صافي، فإنه لا بد من قام الجهات المسؤولة بإجراءات رادعة كي لا يتساهل بعض المستخدمين في التلاعب بالجبهة الداخلية، فردع شخص واحد يؤدي إلى توقف كل من يفعلون فعله.