فلسطين أون لاين

المحرر أبو عليا.. ذكريات 16 رمضان في الأسر

...
بيت لحم-غزة/ جمال غيث:

ما إن أعلن عن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان، جلس الأسير المحرر فراس أبو عليا شارد الذهن والدمع بلل وجهه، عندما أعاد ذاكرته إلى 16 رمضان قضاها خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي.

مر شريط ذكريات الأسر أمام المحرر أبو عليا (46 عامًا) سريعًا، ليستذكر بعض المشاهد لصحيفة "فلسطين" التي عاشها برفقة زملائه في الأسر.

وأفرجت سلطات الاحتلال عن الأسير أبو عليا، وهو من مخيم الدهيشة في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، في 8 إبريل/ نيسان 2020، بعد قضاء مدة محكوميته البالغة 16 عامًا.

يقول أبو عليا الأب لثلاثة أبناء: "يعد أول رمضان يقضيه الأسير داخل السجون من أصعب أيام حياته؛ نظرًا لبعده عن عائلته، وعن سفرة الإفطار والسحور، وعدم تمكنه من زيارة الأهل والأحبة والأصدقاء وإقامة صلاة التراويح".

ومع بداية دخول شهر الشهر الفضيل وثبوت هلال شهر رمضان يشرع الأسرى بالتكبير الجماعي إيذانا بالإعلان عن دخول الشهر الفضيل، ويستعدون لأداء صلاة التراويح، "وهو مشهد يغيظ جنود الاحتلال الذين يسارعون بالطلب من ممثل المعتقل خفض الأصوات ومحاولة تفريقهم لإفشال صلواتهم؛ فهم لا يريدون أي مظهر للبهجة والتحدي يبديه الأسرى".

وعن أجواء رمضان داخل الأسر يشير إلى أن المعتقلين يحاولون وضع برنامج خاص بهم داخل كل سجن لإشغال أنفسهم بالذكر، مضيفًا: "يضع الأسرى برنامجًا داخل السجن لتحديد أوقات قراءة القرآن وصلاة التراويح، وتنظيم جلسات الذكر والأناشيد الدينية، وزيارة زملائهم الأسرى في الأقسام المجاورة وإقامة الولائم وصنع الحلويات الرمضانية".

لكن إدارة سجون الاحتلال لا تتورع عن التنغيص على الأسرى من خلال تضييق الخناق عليهم ومنعهم من صلاة التراويح جماعة ورفض تزويدهم باحتياجاتهم من كانتينا السجن.

ويتابع: "تزداد معاناة الأسرى في حال أبلغ بفقدان أحدهم المقربين منه"، ويتوقف أبو عليا قليلًا عن الحديث ليردف بحزن: "لن أنسى يوم الـ27 من رمضان عام 2007 حين أبلغت بوفاة والدتي، ما أشعرني بالضعف لعدم مقدرتي على وداعها والمشاركة في جنازتها".

و"سرعان ما وقفت شامخًا بعد أن وجدت زملائي بالسجن يواسونني ويدعونني إلى الصمود وعدم إظهار حالة الضعف والعجز التي يريد الاحتلال زرعها في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني خاصة الأسرى"؛ يواصل حديثه.

ويؤكد أن الأسرى يعيشون أجواء إيمانية مميزة خلال شهر رمضان لا يعكر صفوها سوى صلف وجبروت الاحتلال وإجراءاته التنغيصية التي يلجأ إليها كلما شاط غيظه من منظر الأسرى وتجمعهم ووحدتهم وهم يطبقون برنامجهم الرمضاني ويعدون وجبات الإفطار والسحور غير آبهين بالسجان".

شهر عمل

ويلفت أبو عليا إلى أن شهر رمضان شهر عمل ونشاط للأسرى وليس شهر نوم وكسل، وشهر لحفظ القرآن الكريم، مضيفًا: "للصلوات ترتيباتها الخاصة التي لا تختلف في العادة عما هو خارج السجن، فهناك جدول للدروس والمواعظ التي تعقب صلاتي العصر والتراويح التي يختار لها أعذب الأسرى صوتًا".

ويؤكد أن الأسرى يتنافسون فيما بينهم خلال الشهر الفضيل على الطاعات وقيام الليل وحفظ القرآن الكريم، فهناك من يجتهد لأن يتم حفظ كتاب الله عز وجل، ومنهم من يختم المصحف مرات عدة.

ويختلف الأسرى وفق أبو عليا، الذي أمضى نحو 10 أعوام في سجن نفحة الصحراوي، وستة أعوام متنقلًا بين السجون في البرامج التي يضعونها في شهر رمضان من سجن لآخر إلا أنها تتفق على التقرب من الله عز وجل وأداء الطاعات.

وربما يختلف هذا العام عن الأعوام الأخرى في سجون الاحتلال واستعداد الأسرى لشهر رمضان مع انتشار وباء كورونا "كوفيد-19" في الأراضي المحتلة وإصابة السجانين، والتخوف من انتقال المرض للأسرى، ما ينذر بكارثة في قلاع الأسر، بحسب أبو عليا، الذي دعا أحرار وشرفاء العالم للوقوف إلى جانب الأسرى وتحريرهم من ظلمات السجون.

وسيقضى أبو عليا، أول رمضان له مع أسرته المكونة من خمسة أفراد، بعد أن حرمته سلطات الاحتلال من أجوائه طوال الـ16 عامًا الماضية، في حين لا يزال نحو خمسة آلاف أسير، بينهم 41 سيدة و700 يعانون من أمراض مختلفة -وفق إحصائيات رسمية- بانتظار يوم تحررهم ويلتم شملهم على سفرة رمضان.