لم تكن سردية الألم والعذاب التي يعيشها الأسير الفلسطيني داخل سجون الاحتلال للعالم الحر مبتغى اهتمامنا هنا اليوم كأسرى فلسطينيين.
فعقلية القهر والاستعباد للآخر التي تمارسها الصهيونية على من تصفهم في أبجدياتها الاعتقادية "بالأغيار" شيءٌ طبيعيٌّ بالنسبةِ لها. وإن هذه الممارسات التي تتصف في كل مراحلها بالوحشية لم تنقطع؛ تخفت حينًا وتعلو حينًا آخر كما أنها واضحة في كثير من الحوادث ومخفية في شكل مقصود في حوادث أخرى. لكن يطرح دائمًا أكثر من تساؤل حول المسار الفلسفي للسلوك الصهيوني -كنوع بشري مختلف- فكما تعد نفسها الصهيونية ممثلة للعرقية اليهودية كنوع بشري مع اختلافنا مع المبدأ من جذوره، فهي تتحمل مسؤولية الإجابة عن التساؤلات المنطقية التي تطرح كونها من صنع شذوذ الأفكار والتي حيدت نفسها في ذلك عن عموم الإنسانية.
في الحالة الاعتقالية ومما سبق، نخرج في تساؤل حول تغييب السلوك البشري أجمع عند المصائب والمحن كما هي حالة الجائحة كورونا العالمية في أيامنا هذه، فالعدو الصهيوني ومن خلال منظومته الأمنية الحاكمة لكل مفاصل الكيان الإسرائيلي لم يتغير أو يغير شيئًا من سلوكه كنوع بشري قابل للتطور كسائر الإنسانية.
اليوم الأسير الفلسطيني يطالب إدارة السجون الصهيونية بمواد التنظيف والمعقمات والمطهرات لمواجهة جائحة كورونا ويقابل دائمًا بالإجحاف والعقوبات والتضييق من قبل هذا الكيان ومنعهِ من أبسط مواد التنظيف، فهل مطالب الأسرى الفلسطينيين هذه خارجة عن نطاق الإنسانية؟ ففي لحظة الموت يقف الجميع محاربًا ومقاومًا لأسبابه بخلاف الكيان الصهيوني الذي يقف متفرجًا لمأساة الموت القاهرة عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني وخصوصًا من لا قوة لهم الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني ولن أُبقي التساؤل هنا إلى أن أعرج على نقطة مهمة وهي أن الحركة الصهيونية مسترشدة في الديانة اليهودية المعلوم أصولها تعد العرقية اليهودية "إن كانت عرقية أصلًا" عرقية سامية وما دونها من ديانات وعرقيات وقوميات أغيار بمعنى الدونية، لذلك هل من الطبيعي أن يتغير سلوك البشرية جمعاء أمام جائحة كورونا ولا يتغير شيء في سلوك أتباع الصهيونية؟ إن التغيير في الملمات مقدم على كل شيء للخروج منها، لكن وحتى يحصل التغيير يجب أن يكون هناك انتماء للإنسانية بمعيار قيمي يشعرك بوجود الآخر ويقودك إلى التغيير لأي درجة كانت، والحالة المطروحة هنا تظهر لنا المعضلة الجدلية في طبيعة انتماء الصهيونية كنوع بشري إلى عموم الإنسانية؛ ما يقودنا من جديد إلى ما ذكرناه سابقًا حول كيفية نظر الصهيونية كنوع بشري إلى سائر العرقيات والقوميات والديانات انطلاقًا من نظرة استعلاء مختارة -منحتها القدرة الإلهية للنوع اليهودي- إلى نظرة دينية استعبادية تشمل عموم الإنسانية، وعليه كيف يحصل التغيير من قبل الحالة المذكورة مع وجود تعارض وتنافر لها مع عموم الحالة الإنسانية؟ اليوم كل نوع بشري يعلن عن انتمائه للإنسانية، وأن ذلك مقدم على أي انتماء آخر في مواجهة جائحة كورونا، فهل للاحتلال الصهيوني الذي يمنع أبسط وسائل الحماية عن مجتمع الأسرى الفلسطيني داخل سجون الظلام الصهيونية في مواجهة جائحة كورونا أن يعلن في ذلك انتماءه للعموم الإنسانية؟ أم أن احتياجاته الأمنية والتي تحفظ بقاءه كآخر احتلال في التاريخ المعاصر مقدمة على كل شيء آخر؟ حتى تتغير سردية أيام الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال الصهيوني، يبقى الأسير الفلسطيني من ينتمي إلى الإنسانية ويبقى الآخر الطارئ عليها.