هذه القاعدة الذهبية المتهم بريء حتى تثبت إدانته، لا تنطبق على الاحتلال أبدا، والأدهى وأمرّ أنه يُطبّقها علينا بحذافيرها فهو يرى الفلسطيني غارقا في الاتهام إلا إذا تكرّم عليه الاحتلال وقال عنه بريء أو طيّب وهم يعتبرون الفلسطيني البريء هو الميّت أو الذي يعمل معهم بكلّ ما أوتي من جهد وإخلاص ومع هذا لا يمكن أن يفلت من دائرة اتهامهم وشكّهم فيه بهوسهم الاسود. وحتى أن الآية التي قالت عنهم إنهم لن يرضوا عنك حتى تتبع ملّتهم، اليوم لا تنطبق عليهم فحسب بل إنهم لن يرضوا عنك حتى تتبع ملّتهم وتخدم أمنهم وتحقّق مصالحهم وأنت أرنب تحمل صفاته بكل جدارة أو أن يكون شعبنا قطيعا من الخراف جاهزا للذبح وقت وكيف ما يريدون.
بخبرة طويلة ومعرفة عميقة هم المُتّهمون حتى يثبتوا براءتهم إن استطاعوا لذلك سبيلا ولن يستطيعوا، لماذا؟ لأنهم بداية أقاموا بنيانهم على الظلم والباطل، قتلوا وسرقوا وهجّروا وطهروا عرقيّا وفجروا واعتقلوا وصادروا ودمّروا وشنّوا حروبا عدوانية كثيرة وارتكبوا مجازر كثيرة ونهبوا الأرض وثرواتها ومياهها ودنّسوا مقدساتها وخنقوا سكّانها وقطعوا الطرق على أهلها وصادروا حريات العباد وحقوقهم وأرزاقهم ودسّوا أنوفهم السوداء في كلّ شئون حياتنا، واعتقلوا وزنزنوا وجرّبوا أدوية وأهملوا طبيّا بشكل مبرمج ومتعمد فقتلوا وزرعوا أمراضا مزمنة ومستعصية وخنقوا حياة من اعتقلوه بكلّ اشكال الخنق والضغط والقمع والتعذيب بساديّة مفرطة لا حدود لها، كل ذلك وغير ذلك تلخّصه تهمة واحدة بكلمة واحدة هي: احتلال. فكيف يكون هذا الاحتلال بريئا حتى تثبت براءته؟؟
فالمطلوب أمام مأساة كهذه: عندما تعتقل شاب ( محمد ماجد حسن من دير السودان) من عائلته التي تحجر نفسها ممتثلة بكلّ إجراءات الوقاية بكلّ وعي ومسئولية وبعد أيام تقول إن هذا المعتقل مصاب بكورونا؟! ومع هذا ومن باب " لاحق العيّار لباب الدار" قام الطب الوقائي الفلسطيني من باب الاحتياط بفحص العائلة فكانت النتائج سلبية، من أين إذا حمل محمد وحيدا دون عائلته هذا الفيروس ؟!
لا يمكن أن يكون الاحتلال بريئا لنذهب بعيدا في إثبات إدانته. هو المتهم بهذه الجريمة التي تتشابه مع اطلاقه للعمال دون أي إجراءات فحص أو وقاية ليعودوا الى بيوتهم وهذا الذي ثبت مع حالات عديدة هو الذي يثبت تورّط الاحتلال وهو الذي ينسجم تماما مع طبيعته المعروفة والمجبولة على الحاق الضرر بالفلسطينيين بكل أشكال الضرر.
الاحتلال متّهم لأنه أصلا اعتقاله لمحمد أمر في غاية العدوان، ولأننا تعوّدنا على ظلمه وساديته صار الاعتقال لأتفه الأسباب أمرا اعتياديّا، مع أنه أمر في غاية السوء: أن تعتقل طالبا دون أن تمتلك مسوّغات قانونية دامغة، والذي يزيد الطين بلّة ان تجري عملية الاعتقال في ظلّ انتشار هذا الوباء وانشغال العالم كلّه في مواجهته، بينما الاحتلال لا ينظر أبعد من أنف غطرسته وعشقه لممارسة هذا الشكل من الاعتقال مهما كانت الظروف قاسية ولا تتسع لمثل هذا العدوان، ماذا لو ثبت وهو الأرجح بأن محمد لا يوجد ما يدعو لاعتقاله أبدا. وبهذا يصبح في سجن داخل سجن، المعتقل نفسه وسجن المرض واهمالهم الطبي وتعمّد ألحاق الضّرر الصحّي به.
متى سيتوقّف الاحتلال عن ساديته المفرطة في التعامل مع الفلسطيني؟ متى سيتوقف عن اعتبار الفلسطيني مشاعا متاحا لممارسة غطرسته وعنجهيته بلا حدود؟ متى سيحسب حساب العواقب وأن الفلسطيني لديه من مكامن القوّة ما لا يحمد عقباها؟
فقط عندما ينتهي الاحتلال، وهذا يحدث في حالة واحدة فقط: عندما يعمل الفلسطيني بوزنه الكامل في موازين القوى ودائرة الفعل.