ما زالت كورونا تفتك بالدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأكبر اقتصادا في العالم، والأكثر تقدما في باب الصناعة، والخدمات الصحية عالية التقنية والجودة، فشلت هذه الدول حتى الآن في مواجهة فيروس دقيق، خلية بلا حياة.
القتلى في أميركا بالمئات، والإصابات المستجدة بالآلاف يوميا. ولا داعي للحديث عن إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي، حتى يتسنى لنا مساحة نتحدث فيها عن غزة، وبالذات عن مناطق من غزة فشلت في اتخاذ إجراءات صحية وقائية مناسبة، ودخلت في جماعة المستهترين بالأمر دخولا جماعيا. الله أسأل السلامة للجميع.
أميركا تفشل وعندها كل المستلزمات اللازمة طبيا وماليا، وغزة ليس لديها المال، ولا لديها العلاج، والمجتمع يعاني من حصار خانق، ومن فقر بنسبة ٥٠٪ وبطالة بالنسبة نفسها تقريبا، ومع ذلك تفشل مناطق كالنصيرات مثلا في الأخذ بأسباب الوقاية والسلامة.
ثمة صور منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي لافتتاح مول تجاري كبير، وتوسعة إضافية لمول موجود، ومئات الأفراد كبارا وصغارا تجمعوا في المكان دفعة واحدة، دون الأخذ بأسباب الوقاية، ودون وجود شرطة كافية تقوم بنوع من التنظيم الميداني لهؤلاء المتدفقين على المولين الكبيرين حرسهما الله من العين، ومن الأذية.
كلمات السخرية التي سجلها المواطنون على فيس بوك كافية للدلالة على أنه ثمة شريحة واسعة ليست راضية عما حدث. أحدهم كتب أن من تجمع في المول ضعف من يمكن أن يتجمعوا في صلاة الجمعة في القسام برا وجوا! وفي قوله غمز بإغلاق المساجد، إن كنا سنسمح بمثل هذا التجمع في المول! لذا اقترح مفسفس آخر بإقامة صلاة الجمعة في المول! ونشر آخر صورا لهذا الازدحام غير المبرر، وقال: يوم الوقفة!
ثمة خطأ، وثمة مخطئ، وثمة مستهتر، وثمة غياب للموجهين، وللمعالجين، وحين يقع ما لا تحمد عقباه، وتقع الخسائر، وتنكشف عورات نحن في غنى عنها، حرس الله غزة وشعبها، نقول: بدنا لجنة تحقيق! وكلنا يعلم أنه لا فائدة للتحقيق في مسألة الفيروس بعد وقوع الإصابة لا سمح الله.
نحن مأمورون شرعا بتوقي الفتن الموجودة والمحتملة، لأنها لا تصيب الذين ظلموا خاصة، بل تصيب أبرياء أيضا. إنك حين تخرج بشهاداتك إلى خارج غزة في أميركا وإيطاليا مثلا، تعود إلى نفسك وبيتك قلقا، مرعوبا، وهذا يقتضي عقلا وشرعا الالتزام بأسباب الوقاية. ومن المعلوم أن درهم وقاية خير من قنطار علاج.
لا نريد محاسبة أحد، أو محاكمة أحد، فالمسألة خرجت عن نطاق المسئولية الفردية، وباتت مسئولية اجتماعية، وهذه تقتضي المعالجة الثقافية، والتوعية الصحية والشرعية من ناحية، والمبادرة المسبقة من جهات الشرطة لفرض إجراءات الوقاية السليمة والمسبقة.