فلسطين أون لاين

نحو إحياء مميَّز ليوم الأسير.. نريد تكلفة مجانية لأغلى قضية إنسانية؟!

في الوضع الطبيعي كان علينا نحن المهتمين والمتابعين لشؤون الأسرى أن نحيي هذا اليوم بطريقة مختلفة وخارجة عن مألوف الكلمات والبيانات والنشرات وحتى التجمعات والمسيرات، ما بالنا اليوم في زمن الكورونا والحجر المنزلي وحظر التجمعات لما اقتضته ضرورة الوقاية من هذا الوباء؟!

كان لا بدّ لنا من التفكير مليًّا في هدف إحياء هذا اليوم، هل هو مجرّد ضخّ بعض المشاعر في روع الشارع الفلسطيني وشحنها حبًّا وشوقًا (للأسرى) وغضبًا (على المحتلّ) وتضامنًا (مع قضيتهم وأهلهم)؟ أم هو احتفال موسمي لا بد من القيام بهذا الواجب بشكله الروتيني المعهود وكفى الله المؤمنين القتال؟

اعتقد أن هذا اليوم يندرج في سياق مشروع كبير يهدف إلى تركيز وتوثيق وتدعيم ثقافة الناس وما يترتب على ذلك من أفعال تسند الأقوال، بحيث يأخذ هذا الإنسان القابع خلف القضبان مكانته ووزنه وحقّه الذي يتلاءم مع الدور الذي قام به في خدمة قضية شعبه، هذا الشعب (من باب الوفاء وحسن الانتماء لذات القضية) يترتّب عليه ألَّا يتنازل أو يتراجع ميلمترًا واحدًا عن إعطاء هذا الأسير حقّه ووزنه الصحيحين، ويوم الأسير وأنشطته يأتي وفق هذا السياق من العمل المتواصل ما بعد قبل الأسير وما بعده لتحقيق هذه الغاية.

وحتى نتصوّر الحجم المطلوب من الاهتمام سأستشهد مضطرًا بما يفعله أعداؤنا تجاه أسراهم وهذا يدلّ على وزن جنودهم عندهم، لقد قابل أعداؤنا في صفقات التبادل جنديّهم بقرابة آلاف من جنودنا، ولولا المكانة التي يحتلّها هذا عند صانع قرارهم وفي عمق وجدان شعبهم لما مرّت هذه الصفقات، على صعيد دولي وإعلامي تجد النشاط الأهم والأبرز لهم حول جنودهم المأسورين حتى ليصبح الواحد فيهم شخصية عالمية، القاصي والداني يعرف باسمه ويُنصّب على أنه بطل قومي لشعبه رغم أن الواحد منهم كان يمارس الجريمة والعدوان عندما تم أسره.

لذلك فإن أي نشاط علينا أن نزنه بما يترك من أثر في سياق هذا الهدف الكبير، وما عليه واقعنا (سوى ما يجري من عمل جهادي فذّ يقوم به أصحاب العيون الساهرة والأيدي الضاغطة على الزناد من أجل تحرير أسرانا) فهو للأسف الشديد على خلاف هذا أو لا يحقّق إلا أضعف الإيمان من نوايا طيبة وأقوال تنبع من هذه النوايا (وأنا أيضًا من أصحاب أضعف الإيمان).

وتفسير هذا هو أننا نبحث عن أنشطة غير مكلفة وهذا يتناقض مع المكانة العالية التي يحظى بها أسرانا في عمق ثقافة شعبنا. أي نحن غير مستعدين للقيام بأنشطة مكلفة حتى على صعيد أقلّ الواجب في مجال التثقيف المناسب بأدوات عصرية مناسبة.

فعلى صعيد المثال كان لا بدّ من الخروج من صندوق الكلمات الرنّانة التي تُكرّر نفسها في كل المناسبات والبيانات والنشرات، كان أن طرق البعض باب الإنتاج الفنّي وبمبادرات فردية ناجحة لتعزيز هذه الثقافة بطرق عصرية جذّابة وفي سياق أن توظف الدراما في خدمة أسرانا وأن توظف في تعزيز ثقافة مقاومة الاعتقال حماية وتوعية وتنبيها بعمل فنيّ بديع تصل رسالته عمق الوجدان وتفعل فعلها بكل براعة واتقان.

وكانت النتيجة عظيمة على صعيد الذين شاهدوا وتفاعلوا مع الموضوع ولكن على صعيد من يريدونها مجانية وغير مكلفة كان التفاعل باردًا، يريدون أن يرتفعوا بقضية الأسرى وبيوم الأسير بأنشطة تقليدية مكرورة مملّة وليسقطوا الواجب دون أن يعطوا الواجب حقّه، لماذا؟ لأنهم يريدون أنشطة مجانيّة لا تخرج من جيوبهم قرشا واحدا.

لنتعلّم من الذين هم على خطّ النار أوّلا كم دفعوا من دماء وشهداء وتضحيات جسام وما زالوا في الخنادق التي تحرر أسرانا تحريرا عزيزا كريما يتلاءم مع واجبهم علينا، ثم نتعلّم ثانيا من أعدائنا كم يدفعون ثمنا لتحرير أسراهم، ثم ننظر في المرآة على وجوه بعضنا لنرى وجوهًا كالحة تبخل في نشاط توعوي نوعي يكلفه دريهمات معدودة. أتحدّث من واقع تجربة مرّة لإخراج فني مذهل لم يجد من يغطّي تكاليفه الرمزية فقط.

 كيف سنبني ثقافة مجتمع تقاوم الاعتقال وتعطي قضية الإنسان الذي دفع زهرة شبابه فينا وزنه الذي يليق به دون أن ننتج أعمالًا فنية قد ترتقي في يوم من الأيام وتجوب العالم لتنادي بحرية أسرانا بلغة يفهمها جيّدا: لغة الفنّ والصورة، لقد قطعنا شوطا (بجهود فردية) وما زالت المؤسسة والعقل الجمعي الرسمي في هذا الموضوع للأسف الشديد في سبات عميق.