فلسطين أون لاين

​في تشييع فقها.. قلوبٌ تبكي غضبًا وعيونٌ ترقُب الثأر

...
صورة أرشيفية لتشييع الشهيد مازن فقها
غزة - يحيى اليعقوبي

في جنبات المسجد العمري الكبير، كانت القلوب حبيسة الصمت في لحظة غضب ترسمه عيون كل واحد منهم، تجهش قلوبهم بالدعاء للشهيد مرددين خلف الإمام "اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره وأسكنه الجنة"، فهو وعد رباني يؤمنون به.

في جنبات شارع عمر المختار، انطلق موكب التشييع بعشرات آلاف المشاركين بعد أداء صلاة الجنازة على الشهيد القسامي مازن فقها، وقد اكتسى بألوان وأعلام الفصائل الفلسطينية، وعلى جانبي الطريق وطوال المسيرات انتشرت النسوة على أسطح المنازل يشاهدن الموكب المهيب، حتى المركبات كانت متوقفة، الكل في لحظة غضب وصمت وترقب، فغزة التي أصبحت آمنة كما يقولون "لم تعتد على هكذا حادثة اغتيال".

"بالروح بالدم نفديك يا شهيد" في إذاعة موكب التشييع كانت شعلة أخرى تلهب حماس الجماهير الملتهبة أصلاً، يوجهون رسائل غاضبة طوال الطريق التي انتهت في المثوى الأخير للشهيد في مقبرة الشيخ رضوان بأن "الاحتلال سيندم على اليوم الذي فكر فيه بالبدء بهذه المعادلة"، وهذا ما جاء في بيان القسام، أول من أمس.

داخل مقبرة الشيخ رضوان، ترى عيونًا تبكي غضبًا مع أنها لا تذرف الدموع، الصمت ساد القلوب، أبو أحمد أحد المشاركين تحدث لصحيفة "فلسطين"، قائلاً "إن "هذه الحشود المشاركة تدلل على التفاف الشعب حول خيار المقاومة وطريق الشهداء، ولهذا الشهيد الذي ضحى بعمره قبل اعتقاله وأكمل مشواره، وأنهم يرفضون سياسات الاحتلال من خلال عمليات اغتيال".

بنبرة صوت غاضبة يشير بيديه "المقاومة عودتنا في كل حالة من حالات اعتداءات الاحتلال بأن يكون هناك سياسات مقابلة للاغتيالات التي لا يسمح أن تكون في حالة مستمرة؛ فيجب أن يكون الرد بالمثل وبطريقة مباغتة".

الوحدة كانت هي العنوان الرئيسي في هذه الجنازة التي تعانقت فيها أعلام الفصائل الفلسطينية، يتحدث عن ذلك أحد المشاركين وهو أبو حاتم، بأن خروج الآلاف يدلل أنه ما زال في الأمر خير في وحدة الشعب، باجتماع قادة المقاومة والجهاد، وقال: "هذا إجماع على أنه يجب ألا تمر الحادثة مرور الكرام، هذا أمر ليس مقبولاً نهائيًا، ويجب مطاردة كل من له علاقة بالاغتيال من الاحتلال وعملائه".

الغضب الذي يكن في قلوب المشاركين تحدث عنه، نعيم بارود وهو أكاديمي في الجامعة الإسلامية كان من بين المشاركين، ويؤكد أن ما حصل جريمة جبانة، قائلاً "يبدو أن (إسرائيل) فتحت النار مبكرًا على نفسها وبدأت المعركة قبل بدايتها، وأرى أن مازن قد ضحى بنفسه من أجل أن يكون هناك وئام بين الشعب الفلسطيني".

وعلى وزارة الداخلية، كما تابع بارود، أن تجتهد جيدًا في متابعة العملاء "وإعدامهم على الملأ"، مبينًا أنه "من الخطأ أن تقوم حكومة الاحتلال بجس نبض الإنسان العاقل (حركة حماس) فإنه إذا ما غضب سيثور وستزلزل ثورته الأرض من تحت أقدام الصهاينة".

كانت علامات الحزن بادية على معظم المشاركين كحال عامة الناس في غزة، فإسماعيل أبو قمر كان الخبر بالنسبة له كحال غيره، غير متوقع ومفجعا أثر على مشاعره، وقال لنا "كل الشعب يساند قضية الأسرى المحررين، والمطلوب ضرب العملاء بيد من حديد".

"استقبلنا الخبر بفاجعة كبيرة، لكن نهنئ الشهيد الذي نال شهادتين لأنه مات غريبًا"، وهذه المرة الكلام للحاج محمد سكيك.

وبعد رحيل المشاركين عن قبر الشهيد لم يتبق إلا بعض أصدقائه من الأسرى المحررين، كانت نظراتهم تدون في سجل البطولة اسمًا جديدًا حفر بدم الشهيد فقها، لعلها تستذكر لحظات ومواقف جمعتهم بالشهيد الذي ترك كل شيء ورحل دون وداع، وهو نفسه لا يعلم أنه سيغادرهم دون استئذان.

وبجوار القبر ذاته التقينا بالأسير المحرر فؤاد أبو النار، الذي سجن أيضًا 10 سنوات، فيقول عن حياته مع فقها في السجن "كنا نتجالس معًا نقرأ القرآن، ونتجالس من أجل خدمة الأسرى وحل مشاكلهم، وتحقيق أهدافهم".

كان فقها، والقول للأسير المحرر، ممن حصلوا على سند متصل في تلاوة القرآن وكان حريصًا ودقيقًا جدًا في ذلك، ومثالاً للمحبة والسرور التي يدخلها على رفاقه الأسرى، يحافظ على لياقته البدنية ليعد لما بعد السجن على الرغم من حكمه 9 مؤبدات.

ويستعيد بعض الذكريات "كان مازن صاحب أمل كبير، ومعتمدًا على الله بأن تخرجه المقاومة من الأسر، فأثبت على أرض الواقع الصورة التي كان يرسمها لنفسه لما بعد الأسر".

في السجن، كما تابع، كان فقها مميزًا ووقته ضيقًا ومشغولاً بشكل كامل ولا يدع فرصة تمر دون أن يستفيد من وقته، وكان يحض الأسرى على الاستفادة من الوقت بقراءة كتب الثقافة العامة بجميع المجالات إضافة إلى الكتب الشرعية، حتى أنه كان يرجع إليه بأمور ثقافية كثيرة".

وبعد السجن، حافظ فقها على أمنه بشكل أكثر من غيره، فيقول "خرجنا ببعض الرحلات والمناسبات وكنا نتزاور، ولا تخلو الأوقات من دعابات ومزاح فقها، ولكن بقي محافظًا على أمنه".