الاغتيال عمل جبان. دولة العدو تؤمن قياداتها المتعاقبة بجدوى الاغتيال. لقد مارس العدو الاغتيال داخل غزة، وخارجها. مارسه ضد المقاومين والنشطاء والقيادات في لبنان، وتونس، والإمارات، ورومانيا، والضفة وغزة، وما زال يمارسه بمكر ودهاء ومن غير إعلانٍ أو تبنٍّ حيثما تمكن من هدف دسم يريده.
دولة العدو تغتال عادة النشطاء في غزة من خلال الطائرات المسيرة، وأحيانا تستخدم الطائرات الحربية، لا سيما في أثناء المعارك واسعة النطاق. الجديد الذي حصل أمس الأول مع الشهيد بإذن الله مازن فقها، هو الاغتيال عن طريق العملاء، ومن خلال مسدسات مزودة بكاتم للصوت، وفي مدخل العمارة التي يسكن فيها، ثم لاذ القتلة بالفرار دون أن يشعر بهم أحد، كما يظنون، ولكن يد الأمن والعدالة ستصل إليهم لا محالة في ذلك.
الاغتيال عن طريق خلية من العملاء، وبكاتم للصوت، أمر مزعج لقوات الأمن، لأنه يعني أن هناك خلية أو أكثر للعملاء تعمل بحرية ضمن أوامر العدو، وقد نجحت باغتيال شخصية مرموقة من المحررين في صفقة وفاء الأحرار، وهي شخصية آمنة مطمئنة لا تقوم عليها حراسة داخلية، مما سهل على العملاء ارتكاب جريمتهم ثم الفرار من المكان.
الاغتيال بهذه الطريقة مزعج، ويبعث على القلق، ويثقل كاهل رجال الأمن في البحث والمتابعة، وتأمين حياة الشخصيات القيادية، والأمر يتطلب مزيدا من الجهد الأمني، ويتطلب من كافة الشخصيات القيادية الأخذ بالحذر الشديد، وترك الإهمال الأمني، مهما كانت الأمور ، ومتطلبات الحياة اليومية.
يجدر بأجهزة الأمن وضع الأمور في نصابها الذي يجب أن توضع به، وتجدر مراجعة الإجراءات القديمة، والاهتمام بمعطيات هذا الحدث الأليم، وفي الوقت نفسه يجدر بالقضاء تشديد العقوبة على العملاء، وتجار المخدرات، حتى تكون هناك أحكام رادعة لمن تسول له نفسه الإساءة إلى الجبهة الداخلية في غزة.
غزة تفتخر بحالة الأمن التي تمكنت حماس وأجهزة الأمن من توفيرها للمواطنين خلال السنوات الماضية، حتى ضربت أطراف فلسطينية من الضفة المثل في الأمن بغزة، ومن هنا تأتي خطورة عملية الاغتيال الجبانة، لأنها تغتال مع مازن حالة الأمن نفسها، وتأخذ بالمشهد العام نحو القلق والاضطراب، لذا يجب أن تتضاعف الجهود لإلقاء القبض على العملاء المجرمين، ومحاكمتهم بالقانون، واستعادة الأمن العام الذي جرحته هذه الجريمة جرحا مفاجئا وخطيرا.
في الضفة اعتقل العدو جلّ من أفرج عنهم في صفقة وفاء الأحرار، وأعاد الأحكام القديمة لبعضهم، وها هو يعبث في غزة من خلال عملية اغتيال مازن فقها رحمه الله، وهذا يعني أن العدو نقض كل تعهداته التي كانت في صفقة وفاء الأحرار، وهو توكيد جديد لمقولة أن العدو بطبيعته لا عهد له ولا ميثاق، وأن على حماس أن تعتمد على نفسها لحماية شخصياتها وقادتها، وألّا تستبعد شيئا مما يمكن أن يقوم به العدو الغاشم. ويبقى سؤال: هل مقتل فقها اغتيالا سيجر غزة لحرب واسعة النطاق؟! رحم الله مازن، وأسكنه فسيح جناته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.