ذابت الأحقاد، وتبخرت الكراهية التي خلفها الترهل السياسي، واصطف الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وبكل أطيافه وفئاته وتنظيماته وقواه الشعبية والوطنية، اصطف خلف الشهيد مازن فقها في خندق المقاومة، ولسان حال الجميع يقول: الموت ولا المذلة.
هذا هو الشعب الفلسطيني الذي يؤكد عند كل منعطف تاريخي أن مخزون الوطنية لديه لا ينضب، وأن طاقة الانتماء لتراب فلسطين هي شاحن الفعل الموجع والرادع للعدو الإسرائيلي، الذي استخف بقدرات الشعب الفلسطيني فراح يغتصب الأرض في الضفة الغربية بكل وقاحة، وراح يقتل الإنسان في الضفة الغربية وغزة بلا رادع، وبلا خوف من محاسبة أو انتقام، حتى بلغ عدد الشباب والصبايا الذين تم اغتيالهم في الضفة الغربية 167 شهيداً في سنة 2016 فقط، وبلغ عدد المعتقلين في العام نفسه 6600 معتقل، ليتنامى مع هذا العدوان شعور المستوطنين بالأمن داخل مستوطنات الضفة الغربية بنسبة 82%، وهي نسبة لا يصل إليها شعور الإسرائيليين بالأمن في أماكن أخرى من فلسطين.
لقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه عاشق للمقاومة، وأنه ينتظم بخيط الدم الممتد من مخيم الجلزون وحتى غزة، وأثبت الشعب الفلسطيني أن يده طويلة، وقادرة على زعزعة الأمن الإسرائيلي، وقلب المعادلة الأمنية من هدوء التنسيق الأمني إلى معادلة القلق والرعب من الفعل المقاوم داخل المستوطنات اليهودية، وهذا هو الرد الموجع والمفزع الذي لا يتمناه العدو الإسرائيلي.
اغتيال الشهيد مازن فقها يؤكد عدوانية المجتمع الإسرائيلي برمته، ويؤكد في الوقت نفسه أن الأمة العربية كلها تواجه عدواً لا ينسى ولا يغفر، ولا يتهاون في الانتقام، كلما أمكنته فرصته. والاغتيال يشير إلى أن المقاومة لما تزل مرعبة للعدو، وهي شغله الشاغل، وأنها قوية، وتتمدد، وتغطي مساحات واسعة من الفعل، وأنها لم تنهزم حين اغتال العدو يحيى عياش على أرض غزة قبل 21 عاماً، ولم تنكسر حين اغتال الصهاينة الشهيد محمود المبحوح قبل سنوات في دبي، ولم تتراجع المقاومة حين اغتال العملاء الشهيد محمد الزواري في تونس، بل على العكس من ذلك، أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها ندٌ، والند لا يتصرف بردة فعل انفعالية، ولا بفجاجة، فالمقاومة فعل هادف لا يعتمد الانتقام اليائس، والغضب البائس، المقاومة فعل منظم يعتمد الحسابات الدقيقة، وتتصرف بمنطق القادر، والمؤمن بضرورة بث الرعب في مفاصل حياة الغاصبين، طالما كانت الحرب مع هذا العدو مفتوحة على طول السنين.
ملاحظة: اغتيال الشهيد مازن فقها لا يمثل اختباراً للقيادي يحيى السنوار، كما يزعم البعض، اغتيال الشهيد مازن فقها هو اختبار لإرادة الشعب الفلسطيني كله، وفي كل أماكن تواجده.