عشرة أيام مضت على تواجده ضمن صفوف "الفرقة الثانية" التابعة لوزارة الصحة في مستشفى عزل مصابي فيروس كورونا بمعبر رفح؛ ترك استعدادات وتحضيرات مراسم الزفاف التي لم تكتمل، لأن "نداء الواجب أهم"، على الفور وافق لابتعاثه للحجر فطالما كان يسمع نداء الوطن في غربته لكن المسافات الكبيرة منعته من تلبيته في حروب عدة فهو طبيب عناية مكثفة ودوره مهم، إلا أن هذه المرة المسافة كانت "صفرا" مع عدو وفيروس غير مرئي، أوكلت إليه مسؤولية كبيرة بمعالجة المصابين، فكان طبيبا ماهرًا في وصف العلاج والأهم دعمهم نفسيَّا.
لكن كانت للحظات الأولى رهبة، قد عاش طبيب العناية المركزة في مشفى "العزل" برفح د. محمد أبو عريبان تفاصيلها، ثم انخرط في مداواة المصابين، تجربة وكواليس عمله استمعت صحيفة "فلسطين" إليها عبر الهاتف.
احتكاك مباشر
يعود أبو عريبان لأول يوم له في العمل قائلا: "الاصطدام مع الحالات المصابة والاحتكاك المباشر بها يجبرك على القلق في أول لحظة".
"أتدري؟".. بعد أن أجبره الموقف على الابتسامة الهادئة: "في اليوم الأول جاءت حالة مصابة بالفيروس لشاب قادم من بريطانيا، استقبلناه الساعة الثانية فجرا، كنا بكامل الجهوزية اللازمة للوقاية، أخذنا تاريخه المرضي وأجرينا فحوصات كاملة له وسماع الصدر".
يعمل أبو عريبان ضمن "الفرقة الثانية" بعد أن انتهت الفرق الأولى من العمل لمدة "أسبوعين"، وهو سينتهي عمله الأحد القادم، لكنه سيذهب للحجر الصحي للتأكد من سلامته، ولا يعرف إن كانت الظروف ستسمح له بإتمام مراسم زفافه في منتصف يونيو/ حزيران القادم، أم أن الموعد سيؤجل إلى وقت لاحق.
داخل مستشفى العزل يكاد المشهد يكون روتينيا، حالات معزولة داخل الغرف، الطبيب أبو عريبان يوميَّا يراقب مدى التغيرات الصحية الحاصلة، من خلال صور الأشعة والتحاليل، مضيفا: "هناك طاقم يمضي 24 ساعة بجانب المرضى حتى يشعروا بالراحة، وبأن هناك من يتابع حالتهم، ثم يذهب الطبيب للراحة ويأتي طبيب آخر متواجد بغرفة سكن الأطباء بجانب غرف المصابين داخل المستشفى ذاته".
يستخدم الأطباء، والكلام لأبو عريبان، في علاج المصابين عدة أدوية منها المضادات الحيوية ومضادات الملاريا، وهي، Azithromycin)، Tamiflu، Hydroxychlorquine، Cefotriaxone)، وفيتامين C للأطباء والمرضى لتقوية المناعة.
كواليس المصابين
طيلة تلك المدة، مرت مواقف عدة عليه، يتوقف بصوت لم يمل الحديث عند أحدها: "كنا نرعى سيدتين مسنتين مصابتين بالفيروس تفوق أعمارهما عن الستين سنة ذهبت إحداهما للعلاج والأخرى مرافقة لها وأصيبتا معا، لكن واحدة تماثلت للشفاء من الفيروس والأخرى بقيت مريضة، فبقيت تقدم الخدمة لها ولم تخرج من الغرفة، مع اتباع توجيهاتنا بالتباعد وارتداء الملابس العازلة حتى لا تنهار المصابة نفسيا أمام المرض".
أما هنا كان الوضع مختلفا، يرحل بصوته لموقف آخر: "جاء شاب عشريني مصاب بالفيروس، لكنه دخل بمرحلة إحباط وتعب نفسي، لم يستطع تحمل الحجر، وكان يريد الخروج قبل التعافي".
يعبر عن تفهمه لموقف الشاب: "ندرك صعوبة المكوث في مكان واحد، لكن لا نستطيع إخراجه، فقمت بتهدئته وإعطائه مهدئات وتلبية كل ما يحتاجه من أغراض خارجية لتخفيف ضغطه النفسي، وهناك مريض أقل استجابة من الآخرين كونه مريضا سابقا ومدخنا ومؤخرا بدأ يتحسن".
تمثلت شكاوى الحالات المصابة من المضاعفات، حسب ما شاهد أبو عريبان، من الإسهال، أو الألم في الحلق، أو الكحة، وعن سبب التحسن في الحالات المعلنة يقول: "التحسن حسب طبيعة الجسم، لكن السبب نتيجة سياسة الحجر التي خفف كمية الفيروس بالجسم، والأدوية خففت من المضاعفات بالإضافة للدعم النفسي من قبلنا، بالتالي تعافت معظم الحالات وكان بينها حالات كبار سن واستجابت مناعتهم بصورة جيدة".
تجهيزات لم تكتمل
"الحجر أبعدني عن تجهيزات مراسم الزفاف، الآن شغلي الشاغل موضوع تجهيز الشقة".. رغم أنه لا يستطيع متابعة تلك التحضيرات إلا أنه يحاول متابعة أعمال بناء وتجهيز شقته مع اقتراب موعد الزفاف عن طريق الهاتف من صور العمل التي تصله ليبدي رأيه بها، لا يخفي صعوبة ذلك: "تشعر أن الأمر متعب، بخلاف ما تتم التجهيزات تحت عينك، خاصة أن الموعد يقترب وهناك فترة حجر احترازية سأمضيها".
يحرر كلماته من داخل العزل، معبرا عن شوقه لعائلته بصوت يتمنى أن يصل صداه لوالده: "كطبيب اغتربت لتعلم الطب في السودان، وبعد عودتي لغزة معظم وقتي في العمل ثم المكوث عند والدي والأهل والجيران".