فلسطين أون لاين

​"قصف الجبهات".. لسان سليطٌ أم خبرات حياة؟!

...
غزة-فاطمة أبو حية

في الآونة الأخيرة، ظهر مُصطلح "قصف جبهة"، كوصفٍ ساخر يُستخدم للإشارة على الردود القوية التي تُبقي لمن وُجّهت إليه مجالاً للرد، ولكن أحيانا يربط البعض بينها وبين سوء الخلق واللسان السليط، فهل حقًّا الرد لا يمكن أن يكون قوياً وحاسما إلا إذا كان يحمل إساءة؟ أم أنه قد يكون منمّقا وبكلمات مهذّبة؟ وهل القدرة على الرد ضرورية في التعامل مع الناس؟ وهل يملك الكل هذه المهارة؟.

الظروف والشخصية

تقول "رندة منصور": "القدرة على توجيه ردود قوية وصادمة مهارة يمتلكها الجميع، وأعتقد أن امتلاكها ينتج عن المرور بظروف وتجارب صعبة في الحياة، ولكن هذا غير ممكن إلا في حال توفر مواصفات معينة في الشخصية".

وتضيف: "التحقت بالمؤسسة التي أعمل فيها حاليا قبل خمس سنوات، وحينها تم تعييني أنا وزميلة أخرى في نفس اليوم، وقد تعرضنا معًا لذات مشاكل العمل، وعانينا كثيرا من مديرنا".

وتتابع: "ضغوط العمل غيّرت فيّ وفي زميلتي هذه الكثير من الصفات، وقوّت شخصيتنا بدرجة فاقت توقعاتنا، ولكن ثمة فروق بين ما تغير في كل منّا، ومن هذه الفروق القدرة على الرد، فأنا أصمت في كثير من المواقف الصعبة التي أمر بها في المؤسسة، بينما هي توجّه لمن تناقشه ردودا قوية وصادمة، وبكلمات قليلة تُسكت الطرف الآخر عن الحوار".

وتواصل: "في المؤسسة نطلق على هذه الزميلة لقب (قاصفة الجبهات)، خاصة أنها تأتي بالرد فور سماعها للكلام، دون تفكير طويل، بينما أنا تخطر الردود على بالي بعد مرور ساعات على انتهاء الموقف، وأتمنى لو يُعاد المشهد لأردّ بالفعل".

فطرةٌ واكتساب

وتقول "هبة عبد الحميد": "لطالما كنت على قناعة بأن توجيه الردود القوية ليس ممكناً لمن لا يتقنه بالفطرة، ولكن زواجي بين لي أن اكتساب هذه المهارة ممكن أيضاً".

وتوضح: "أخوات زوجي بارعات في توجيه العبارات القوية، ولكنها غالبا ما تكون جارحة أيضًا، ولطالما تأذّيت من تصرّفهن معي بهذه الطريقة، وكثيرا ما حاولت أن أفعل فعلهن ولكن دون جدوى، وأخيرا تغيّر الحال، فبعد أكثر من خمس سنوات على زواجي أصبحت قادرة على الرد عليّهن بكلمات تنهي أي حوار لصالحي".

وتبين: "تبين لي أن فن الرد إن لم يكن فطريا، فاكتسابه ممكن، ولكن المهم أن يرافق الرد القوي أخلاق حسنة، فأنا أحرص في ردودي على انتقاء كلماتي لكي لا أؤذي مشاعر أحد، فهدفي هو توضيح بعض الأمور وأخذ حقوقي وليس الإساءة إلى الآخرين".

بيئةٌ مُعزِّزة

من جانبه، يقول الأخصائي النفسي الدكتور إياد الشوربجي: "التواصل مع الآخرين يحتاج إلى مهاراتٍ متعددة، خاصة أننا نتحاور ونتعامل مع فئات وأصناف مختلفة في المستويات العقلية والثقافية، وفيها تنوع من حيث الأفكار، مما يعني أن التعامل مع كل شخص يجب أن يكون حسب عقليته وطريقة تفكيره".

ويضيف لـ"فلسطين": "أحيانا يكون الحوار سلساً وقد يصل إلى الجدال والتناظر، وكل شخص مشارك في الحوار يحتاج لإثبات صحة ما يقول، أو دحض ادّعاءات الطرف الآخر، وذلك من خلال الأدلة والبراهين، وحتى أسلوب الكلام، فمثلاً يطرح أسئلة يصعب عليه إجابتها، أو يحرجه أمام الآخرين بإظهار أنه أكثر منه علما"، متابعاً: "هناك من يجيد الرد على الآخرين، فيستخدم كلمات معدودة ولكنها تحمل معاني كبيرة، وتقدم إجابة شافية، وتحقق الغرض المطلوب، وتنهي الحوار لصالحه".

ويوضح: "هذه الكلمات إما تكون محرجة وقاسية بطريقة تسبب شرخاً في العلاقة وتسبب المزيد من الخلافات، وهذا دليل على عدم إتقان فن الحوار، بينما هناك من يجيد انتقاء الكلمات، فيركب عبارات قصيرة ومهذبة، وفي نفس الوقت مقنعة وواضحة، وتحقق الغرض دون أن تحمل إساءة".

ويبين: "الردود القوية لا تشير إلى سوء خلق طالما أنها لا تحمل من الألفاظ والمعاني ما هو غير مقبول، وإنما يكون أن تكون ضرورة لحفظ الحقوق أو استردادها، ولتوضيح بعض النقاط المهمة، فتأخذ الحوار إلى الطريق الصحيح دون وقوع مشاكل".

ويشير إلى أن تجارب الحياة تمثّل بيئة مُعزِّزة للشخص تجعله أكثر قدرة على النقاش، فهو يكتسب العديد من الخبرات ومهارات في التعامل بفعل الاحتكاك بالناس بكثرة، والتعامل معهم في أجواء نقاشات وحوارات في تفاعل مستمر، وتعرضه لبعض المشاكل في دوائر اجتماعية ومهنية.

وبحسب الشوربجي، فإن اختلاف الشخصيات يؤدي إلى اختلاف القدرة على إتقان فن الرد، ومن العوامل المؤثرة في ذلك المستوى العلمي والثقافي والتربوي، ودرجة الوعي والنضج، والذكاء الاجتماعي والقدرة على التصرف في المواقف المحرجة ومهارة التعامل في المواقف الصعبة. ويؤكد على ضرورة الالتزام بالتعاليم الإسلامية، والأخلاق الحسنة، ومقابلة الإساءة بالإحسان، وانتقاء الردود الإيجابية التي لا تحمل إساءة للآخرين، خاصة أن الكلمة إن خرجت لا تعود، وأحيانا قد لا يكون الاعتذار عنها مجدياً.