بعد أيام معدودات؛ بدأت شكاوى البشرية في بقاع الأرض تطفو على السطح لعدم قدرتهم على تحمل "الحجر المنزلي" خطوة وقائية من فيروس "كورونا"، فكيف لو أمضوا 40 عامًا داخل زنزانة أو غرفة سجن صغيرة خلف قضبان الاحتلال الإسرائيلي، كالأسير نائل البرغوثي، صاحب أطول مدة أسر، وكريم يونس الذي أمضى 38 عامًا، أو الأسير المسن فؤاد الشوبكي البالغ من العمر 81 عامًا المصاب بـ"السرطان"؟!
"فش أي تواصل غير إنه الصليب الأحمر زارهم وحكالي إنه بخير" هكذا قالت إيمان نافع زوجة الأسير نائل البرغوثي، وتعلق على رسالة "الصليب": "هل تكفي أنه بخير؟!، لم تصل لي رسالة منه، ولا أي أخبار، لم أعرف هل أجروا له الفحوصات، أو هل يهتمون به، فكيف لي الاقتناع بأنه بخير وهو في سجن وعزل منذ سنوات؟!".
"الناس تشكو وجودها في البيوت، فما بالك بأسير مثل نائل أمضى أربعين عامًا لا يستطيع مد قدميه براحة لضيق السرير؟!، هذه صورة مقارنة ما يحدث بين العالم والأسرى" صرخة أخرى تطلقها نافع، في قلب الضمير الإنساني.
وتقول: "نحن في حالة قلق دائم، فلا يوجد زيارات ولا أي تواصل، لكن نتابع الأمور بقلق ونعرف أن السجان يدخل إلى السجون ويعود إلى بيته، وهو في أي لحظة قد يصاب بفيروس كورونا وينقله".
أكثر ما يقلق زوجة البرغوثي هو انعدام إجراءات الوقاية من الأمراض العادية، إيمان التي تعرف تفاصيل السجن بعد أن سجنت فيه 10 سنوات، "بداخل السجن رطوبة، أشعة الشمس لا تدخل، إجراءات تغيب عنها الوقاية منذ زمن، أي أن رئتي كل أسير ومناعته ليست جيدة".
"خائفة على زوجي إلى درجة أن هذا الخوف يلاحقني في المنام على شكل كوابيس وأحلام"، ورغم كل مخاوف الأسيرة المحررة هناك ما يبث الأمل في قلبها، تضيف: "مؤمنة أن المقاومة التي حررته بالصفقة الأولى قادرة على تحريره بصفقة أخرى، لا ننسى كم حربٍ خاضت لأجل تحريره (...) أتمنى زوجةَ أسير أن يرجع نائل غدًا".
38 عامًا
ولم تشفع ثمانية وثلاثون عامًا أمضاها الأسير كريم يونس داخل سجون الاحتلال له ليفرج عنه قبل انتهاء محكوميته البالغة أربعين عامًا، فمنذ 6 كانون الآخر (يناير) 1983 م لم ير هو ولا ابن عمه ماهر يونس الذي أمضى مثل مدته، نور الحرية.
طرق الحادي والستين من عمره، أمضى ثلثيها داخل السجن، يعيش في أكبر حجر في التاريخ، نقل مئات المرات بين السجون، وكل أقسامها من شمالها إلى جنوبها.
"قلقانين عليه؛ فالسجون بيئة غير قادرة على مواجهة الأمراض العادية، فما بالك بالفيروسات؟!" والكلام لشقيقه نديم يونس.
ويضيف نديم لصحيفة "فلسطين": "دخول الفيروس إلى السجون يعني إعدام الآلاف من الأسرى، وهذا شيء مقلق جدًّا، ويزيد خوفنا مع الأنباء عن إصابة سجانين جدد (..) سن أخي 61 عامًا، لا أعرف أيصنف من المتقدمين في العمر أم لا".
متطلبات ممنوعة
الساعة الثانية عشرة ظهرًا (قبل أسبوع): هاتف زوجة الأسير وائل عودة من غزة يرن، ردت على المكالمة، وبدا المتصل في عجل تتسابق كلماته: "بسلم أبو علي عليك، هو منيح وأموره تمام، ما تخافوش وتقلقوش ودير بالك على الأولاد"، كلمات معدودة هي ما وصلها عن زوجها، منذ عدة أشهر لا تعرف ما الذي يجري هناك، لا تعرف سوى تلك الكلمات.
تقول زوجة الأسير المحكوم عليه بالسجن 12 عامًا أمضى منها 7 أعوام لصحيفة "فلسطين": "تحن عائلة الأسير ممنوعون من الزيارة منذ ثلاث سنوات، وجاءت أزمة فيروس كورونا ولم نسمع عنه شيئًا، ما يزيد خشيتنا أن إجراءات الوقاية غير موجودة، ممنوع أن أرسل له مالًا أو رسائل أو ملابس، خمس مرات حاولت أن أرسل تلك الأشياء وعادت إلي عقابًا له لرفض النزول إلى الزنازين".
ابنتها سندس (13 عامًا) طالما كانت تقف على عرافة الفعاليات التضامنية مع الأسرى، لكنها الآن لا تستطيع إعلاء صوتها لتوقف الفعاليات نتيجة أزمة فيروس "كورونا"، تقول بصوت ممزوج بالاستياء: "أشعر بالحزن لأني لا أستطيع الدفاع عن قضية الأسرى، خاصة أنهم الآن في أمس الحاجة إلينا".
وبحسب تقرير لمكتب إعلام الأسرى نشر أمس، إن عدد الأسرى في سجون الاحتلال يزيد على 5 آلاف أسير، 4 آلاف منهم من الضفة الغربية، و400 من القدس، و280 أسيرًا من قطاع غزة، و90 أسيرًا من الداخل المحتل، و20 أسيرًا من عرب يحملون جنسية أردنية.