بينما أتابع الفيس بوك لأطلع على مستجدات تداعيات كورونا، جذبني صديقي قائلًا: انظر ما تفعله الحكومة الكندية، التفتّ إلى المقطع، فإذا بصوت امرأة عربية الأصل تشكر الحكومة الكندية التي وضعت لها أمام بيتها طعامًا وشرابًا مختلف الألوان، وفاكهة، ومكسرات، إضافة إلى صبغة الشعر؟! قلت: هذا عمل جيد، هو من الإسلام، الذي افتقدناه في بلادنا وفي بلاد المسلمين، في زمن كورونا، وقبل زمن كورونا، وأحيته بلاد الغرب ككندا، والسويد، ولم نسمع عنه في بلاد الحرمين صاحبة أعلى مدخرات مالية في العالم، ولم نسمعه في الإمارات المتحدة التي تنفق الملايين على دعم خليفة حفتر، والثورات المضادة للشعوب؟!
المال في بلاد العرب والمسلمين موجود، وعطاء الله لبلادنا عطاء كبير، غير أن أخلاق الحكام فيها تعاني عطبًا أو زيغًا، ولو كانوا بلا عطب وزيغ لما بخلوا على شعوبهم وهم محجورون في بيوتهم بسبب كورنا بعشر معشار ما لديهم من المال المدخر.
كان عمر ابن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس رحمه الله، الأول في التاريخ الإنساني الذي وزع مال الدولة على الناس، حتى إذا لم يبقَ فقير ولا صاحب حاجة، زوّج به شبان المسلمين، حتى إذا فاض المال أمر بنثر الحبوب على الجبال حتى لا يجوع طير في بلاد المسلمين، وفي تلك الفترة لم يكن ثمة كورونا، ولا جائحة أخرى، بل كان ثمة دين وخلق كريم، وخوف من الله وإحساس بالمسئولية، وترفّع للقيادة عن المال العام.
نعم كندا، والسويد، أخذتا بعمل المسلمين وأخلاقهم، ولكن لما تبلغ الدولتان ما بلغه عمر بن عبد العزيز، ولا صحّ عملهما صحته، لأنهم ربما فقدوا نية العمل، والنية مناط الأجر. نية المرء خير من عمله.
نعم إن فعل كندا والسويد، وربما غيرهما من دول الغرب، يبعث فينا مقارنة ثلاثية الأبعاد، نقارن عملهم بعمل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، ثم نقارن عملهم وعمل ابن عبد العزيز بعمل حكام اليوم، لا سيما أولئك الذين يملكون المال الكثير، فنجد في أنفسنا غصّة من هؤلاء، بينما تشكر أختنا في كندا الحكومة الكندية؟! حكامنا فشلوا في حمل الإسلام في زمن الرخاء والعافية، وهم الآن أفشل الناس في حمله زمن المحنة والجائحة.
ويبقى سؤال الغصة والأسف، من يُرجع إلينا ديننا، وسنة نبيّنا، وعمل الراشدين؟! أو من يحملنا إلى الإسلام حملًا على ظهر كورونا على الأقل، أو من يحمل الإسلام إلى العالم. وقد أسلم جلّ العالم الإسلامي قديمًا بسلوك المسلمين لا ببلاغة الكلام، وشقشقة البيان. البيان بعد القدوة وبعد السلوك، أرِني فعلك ولا تُرِني قولك.