وفي قصص يوميات الفلسطيني ما فيها من عبر..
زرت صديقًا لي في قسم الأمراض القلبية في المستشفى الاستشاري، وكان بجواره مريض أُصيب بجلطة له قصّة غريبة، قصّها عليّ ابنه الواقف على رأسه:
منذ أن أقيمت مستوطنة عوفر (قدّس الله سرّها) على أرضنا في بلدة عين يبرود هم جيراننا عنوة وزورًا، أبي لا شأن له بالسياسة ولا طاقة له بمقاومة أو أي مواجهة لا من قريب ولا من بعيد، سوى الدعاء وتخزين القهر والغضب في صدره وسياسة رعي الغنم، يغدو ويروح في رعي غنمه التي هي رأس ماله في هذه الحياة، هي وبيته وزريبة الغنم كلّ ما تبقى له من معاني الصمود والوطن، هم يتطاولون في البنيان ويتمدّدون في تزييف الأرض والمكان وتضخيم حجم الزور والبهتان، وهو قائم متشبث بهذه الزاوية التي حشروه فيها، ولم يبق إلا أن يحاسبوه على حجم الهواء الذي يتسلّل إليه، ولعلّهم أبقوه جارًا ليبقى لأطفالهم وأحفادهم مضربًا للمثل عن العربي الذي لا يعرف سوى الغنم، في حين هم الأسياد وأصحاب العلم والقلم.
أطلت عليكم وأنتم تنتظرون إجابة السؤال: كيف جُلط جار المستوطنة راعي الغنم؟
في مساء يوم نحس أضل الحمار الطريق، أو لعلّه أحبّ أن يخرج عن السطر بعد أن ملّ روتين الرعي، أو أن يغرّد خارج السّرب أو أن يتسكّع في المستوطنة، المهم ساقه قدره ودخل بوابة المستوطنة، أغلقوا عليه واقتادوه إلى رئيسهم حيث خضع للفحص الأمني واستجوبوه وأحالوه للتحقيق، ولمّا ثبتت براءته وعرفوا أنه لجارهم العربيّ الراعي، ولا شك حق الجار على الجار قاعدة ذهبية عندهم، لذلك قرّروا الآتي:
تحرير مخالفة بخمسة آلاف شيكل بسبب جرأة الحمار وتعدّي حدوده، وإرباك الأمن والسكينة اللذين يتمتع بهما سكان المستوطنة.
أمّا السبب المباشر في جلطة صاحبنا فليس هذا فحسب، وإنما قرّروا أيضًا مصادرة الحمار ونقله إلى مكان مجهول لتنفيذ حكم الإعدام، وليكون عبرة لكلّ حمير المنطقة.
قلت لراوي القصة: انظر يا رجل فيما تقول، أحدث هذا بالفعل؟!، أوصل بهم صلفهم إلى هذه الدرجة؟!، فأشار إلى أبيه، هذا أبي ليقدّم لك شهادة مشفوعة بالقسم، ثم إن الحمار قد أعدم بلا رجعة، والمخالفة أيضًا شهادة مكتوبة.
لمَ تبدو هذه القصّة غريبة؟!، هي قصتنا مع الاحتلال على مرّ زمانه معنا:
(أن يدخل الحمار المستوطنة حجة كافية لإنزال العقاب علينا).
فالمستوطنة هي هذا العقل الصهيوني الفذّ، والحمار هو كل ما يتشبثون به لإنزال عقابهم وجبروتهم وغطرستهم وصلفهم علينا دونما الحاجة إلى مسوغ أو سبب وجيه، من أين نبدأ؟!
* عندما يمنع إدخال مستلزمات مواجهة الوباء العالمي فيروس كورونا لشعب فلسطيني محاصر في قطاع غزة، أليس يعد هذا عقابًا على دخول الحمار المستوطنة؟، وماذا يختلف عقل وزيرهم "بينيت" الشديد الذكاء عن المستوطنة؟!
* لماذا وكيف يفكّرون بضمّ الأغوار وأجزاء من الضفة؟، أهناك حمار تسلّل ودخل المستوطنة؟!
* ولو عدنا إلى أصل القضية والنكبة عندما استغلت الحركة الصهيونية فرصة تاريخية، فوظفت اليهود والديانة اليهودية لتقيم لهم دولة في قلب عالم معاد لهم، أي فكرة جهنمية انتحارية قادتهم لهذا المشروع؟!، هل دخل الحمار ديارهم أم عقولهم تلك الأيام ليمارسوا كل هذا الإجرام؟!، هل يخرجون من المحرقة في ألمانيا ليقيموا لهم ما يقودهم إلى محرقة جديدة في فلسطين؟!
* وبعد أن أقاموا مشروعهم الاستيطاني الإحلالي دخل الحمار هذه المستوطنة كثيرًا، عندما تجرؤوا على القدس مع حليفهم الأمريكي، والتدنيس المستمر للمسجد الأقصى نتيجة واضحة لدخول الحمار المستوطنة، وما يفعلونه مع المعتقلين من إجراءات قمعية متواصلة، وهنا عدّد ولا حرج، وكان آخرها إبقاءهم مكشوفي الحماية من كورونا دون أي إجراءات وقائية أو احترازية.
وسيبقى الاحتلال يتصرّف على مواصفاته ومقاييسه الفريدة التي لن تجد في العالم مثيلًا لها.
ومن فوائد جرأة هذا الحمار أنه يكشف طبيعة العقل الذي يدير المستوطنة.