يرقب الأسرى في سجون الاحتلال موعد الحرية بشغف، طالما انتظروه سنين وهم يقبعون خلف أسوار السجن وعتمة الزنزانة، فربّ ضارة نافعة، فبعد أن تعثرت مفاوضات صفقة تبادل الأسرى ووصلت إلى طريق مسدود مرات عدّة من خلال وسطاء دوليين، قد تسير الأمور في طريقها الصحيح هذه المرة، وقد تبدأ عملية المفاوضات فعلياً، كما أشار لذلك إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نية الاحتلال لإجراء مفاوضات مدخلها تلك التنازلات التي أعلن عنها قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، والتي من خلالها يتم إطلاق سراح كبار السن والنساء والأطفال مقابل تقديم معلومات عن جنود الاحتلال الأسرى لدى المقاومة.
يرتقب الإسرائيليون وبشغف جنودهم الذين لا يتوفر لديهم أي معلومة حقيقية عنهم من حيث العدد ومن هم على قيد الحياة ومن هم في عداد الأموات، والكثير من التساؤلات تطرح عبر شبكات ووسائل إعلام الاحتلال لمعرفة مصير جنودهم الذي فشل نتنياهو وقادة الجيش في الوصول إليهم وتحريرهم، كما فشلوا سابقاً في محاولات تحرير الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، وربما فَهِم الاحتلال الدرس وللمرة الثانية، وكما قال الناطق الإعلامي لكتائب القسام: "إن جنود الاحتلال الذين يدخلون غزة لم يتبق أمامهم سوى الموت أو الأسر أو الإعاقة" وقد صدقت الرؤية.
على أعتاب المفاوضات والتي ستنطلق في كل لحظة لم يتبقَّ أمام الإسرائيليين سوى الإعلان عن قبول مبادرة السنوار والموافقة على إطلاق سراح الأسرى المعلن عنهم، للبدء في مفاوضات جادة يتم من خلالها الاتفاق على تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، علماً أن التجربة التي خاضتها حركة حماس في مفاوضاتها السابقة ستكون داعماً لموقفها التفاوضي وبقوة، سيما أن هناك ما يقرب من 67 أسيراً أعيد اعتقالهم بعد تحريرهم في صفقة تبادل الأسرى الأولى، صفقة "وفاء الأحرار".
وقد نطرح تساؤلاً مهماً، هل يلتقط نتنياهو مبادة السنوار ويوظف محدداتها وبقوة نحو إحداث تطور كبير من أجل الوصول لإبرام صفقة تبادل أسرى؟
في حقيقة الأمر يسعى نتنياهو لالتقاط هذه الفرصة وبقوة، وقد تُعدّ هدية كورونا التي ستحقق لنتنياهو خطوة فُقِدت منذ سنوات، ومن خلالها سيتربع نتنياهو على عرش (إسرائيل) من جديد دون أي منافسة، بالإضافة إلى الإطاحة بغريمه التقليدي "غانتس" وأحزاب وقوى اليسار الذين بذلوا قصارى جهدهم للإطاحة بنتنياهو وتقديمه للمحاكمة وإنهاء حياته السياسية بأي ثمن يكلف الاحتلال الكثير.
فمرحلة التحول في إدارة المشروع الإسرائيلي باتت أكثر وضوحاً وهي بعيدة تماماً عن المحافظة على مشروعهم التوراتي في أرض الميعاد كما يعتقدون، بل هناك مصالح ومكاسب أصبحت في غاية الأهمية تحقيقاً لمصالح القوى والأحزاب والتيارات اليهودية على غرار تجربة الأنظمة العربية والتي فشلت في الحفاظ على مستقبل شعوبها وبدد النزاع الداخلي قوتها ومكانتها في الحاضر والمستقبل.