تحل الذكرى الـ13 لرحيل الشيخ القائد الشهيد أحمد ياسين، أحد القادة القلائل الذين كتبوا التاريخ بمداد من ذهب، ولا تزال ذكراه يستمد منها العبر والدروس الكثيرة بعد رحيله قبل ثلاثة عشر عامًا، كالشجرة الطيبة التي تؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها، في عطاء لا ينضب حتى بعد رحيله.
الشهيد الياسين هو أحد القادة الذين سطروا بمداد من العزة والفخار سجل الأمة الإسلامية في عصرها الحديث، كونه استطاع من لا شيء تقريبًا في ظل العجز والهوان العربيين المخجلين أن يعمل الكثير، فقط بعقليته الفذة وفكره المستنير، مع عدم قدرته البدنية والجسدية نتيجة لحادث وقع له في الصغر.
رحل الياسين ولكنه ترك بصمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وترك خلفه الكثير من الحكم والمواقف المشرفة التي لا تنسى، ومازال أسلوبه في العمل يلهم الأجيال عبر سلسلة من الإنجازات والمساهمات والتضحيات التي قدمها هذا المجاهد الفذ، الذي قل نظيره في زمان الهوان العربي.
استطاع الشهيد الياسين أن يرسي ركائز للمجتمع المقاوم السليم، الذي أنيطت به مهمة صعبة تنوء بها الجبال، وهي مواصلة حمل الراية، مهما بلغت الصعاب، وتحدي كل الظروف وقهرها، وعدم الاستسلام للواقع المر تحت الاحتلال.
العجز الجسدي لم يثن الشهيد القائد عن مواصلة مشوار التحرير بطريقته؛ فكان يلهم الجيل بالأفكار المقاومة، وذلك بعد أن ساهم مساهمة قوية جدًّا في بناء المجتمع، وبناء الإنسان، وبناء الشخصية المقاومة المؤمنة، أنتجت وأثمرت لاحقًا أبطالًا مقاومين أمثال الشهيد محمد الجعبري الذي قض مضاجع الاحتلال، ونجح في عقد صفقة "وفاء الأحرار"، وحرر آلاف الأسرى الفلسطينيين.
أدرك القائد الياسين منذ البداية أن التحدي كبير، كبير جدًّا، ولذلك لابد من صناعة رجال كبار جدًّا، كي يواجهوا التحدي الكبير، فكان له ما أراد لاحقًا، إذ لم يستطع الاحتلال بعد استشهاده أن يهزم المقاومة بغزة في ثلاث حروب عدوانية، كان آخرها عام 2014م، واستطاعت المقاومة أن تحقق إنجازات مشرفة ترفع الرأس عاليًا.
الشهيد الياسين من مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية حماس، والقادة القلائل العظام، ولم يصل إلى وصل إليه على طبق من ذهب؛ فقد عانى ما عانى في حياته من اعتقالات وإبعاد وتضييق، ولم يفت ذلك في عضد الياسين، بل زادته تلك المضايقات إصرارًا على المضي في الطريق الذي سطرته الحركة أول يوم، وهو طريق التضحية والعطاء المتواصل حتى تحرير الأرض.
كان الياسين دومًا هو الرجل القوي الشكيمة، صاحب المواقف الصلبة، لا يلين ولا يستكين، وقد استشهد كما تمنى بقصف طيراني لم يراعِ كبر السن ولا بيوت العبادة، وراح يقصف بالصواريخ شيخًا كبيرًا لا يقدر على الحراك الجسدي أصلًا، وهو جالس على كرسيه المتحرك، في جريمة لا تسقط بالتقادم، ويندى لها جبين الإنسانية.
كل مواقف الشيخ الراحل وكلماته توزن بالذهب، وهو لم تنسه الأجيال، فبعد 13 عامًا من رحيله مازال تلامذته بحكمة واقتدار، وطول نفس يعدون الخطط لتحرير فلسطين المحتلة من بحرها إلى نهرها، "إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا".