يعتقد الإسرائيليون أن الظرف الراهن يشهد تحولا تاريخيا تجاه أي قرار من جانب واحد بإعلان ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، والوضع يتطلب وقف "جنون الضم"، لأننا أمام عملية مليئة بالمخاطر، ومثل هذه الخطة تعني اجتياز (إسرائيل) لمفترق طرق سيحدد تاريخها في قادم السنوات.
يتوافق الإسرائيليون أن الموافقة على خطط الضم سيضع (إسرائيل) على سلم خطر، وفاقد للمسئولية، بالنظر إلى حجم الأخطار الكامنة من هذه الخطة، كما أن الفترة الراهنة التي تعيشها (إسرائيل) تتطلب تكاتف كل الجهود لوقف تفشي وباء كورونا، وإنقاذ الاقتصاد ال(إسرائيل)ي النازف من الكارثة التي ألمت به، أما توجهها باتخاذ خطوات أحادية الجانب فلن تساعد الدولة في التعامل مع وباء كورونا، بل ستعمل على تصعيده وتفشيه.
إنّ خطوات الضم كفيلة بجر (إسرائيل) لإشكاليات: أمنية واقتصادية وسياسية، وقد تكون نتائجها كارثية على صعيد علاقاتها مع الدول المجاورة، فضلًا عن المجتمع الدولي، وسيوقع الدولة في امتحان غير مسبوق أمام العالم.
إن أي محاولة لتقليل المخاطر الناجمة عن إجراءات الضم كذب صريح على الجمهور ال(إسرائيل)ي، لأنها خطوة مليئة بالأخطار، كما أن الضم الجزئي سيأخذنا عنوة مستقبلا للضم الكامل، في ظل أن الخطوة المذكورة سيتلوها على الفور حالة من انهيار تلقائي للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، لأنها ستفقد السيطرة على الجمهور الفلسطيني الذي سيرها عميلة للاحتلال، ولا تخدم المصلحة الوطنية.
سيسفر الضم المتوقع عن انهيار السلطة الفلسطينية ذاتها، لأن الضم سيكون إثباتا جديدا أمام الفلسطينيين على فشل مسارها السياسي، وإخفاق قادتها، وتأكيد على أن محاولاتها في التعاون مع (إسرائيل) لتحقيق استقلالهم باء بالفشل الذريع، مع أنه لولا السلطة وأجهزتها الأمنية لكان الجمهور الفلسطيني يقاد من قبل الأوساط الراديكالية، خاصة حماس، التي تواجه ظروفا أمنية قاسية في الضفة الغربية بفعل إجراءات (إسرائيل) والسلطة معاً ضدها.
هذه التطورات الناجمة عن أي إجراء للضم سيعني بالضرورة إجبار الجيش للعودة للسيطرة على مناطق "أ"، وتقوية نفوذه بمناطق "ب"، ومن ثم إعادة تحكمه في حياة 2.6 مليون نسمة، وبالتالي فإن كل الأكاذيب عن تخفيف مخاطر الضم سيكشف زيفها أمام حقائق الأمر الواقع، لأن المسئولية عن الفلسطينيين ستنقل فورا لأيدي ال(إسرائيل)يين.
في هذه الحالة ستكون (إسرائيل) أمام خيارين: بين نظام أبارتهايد قاسٍ يسيطر على ملايين الفلسطينيين، لا يوفر لهم الحقوق الأساسية، أو نظام يوفر كل ما يحتاجون إليه من مياه وكهرباء وصحة وتعليم بما تصل كلفته سنويا إلى 52 مليار شيكل، مما يؤكد ضرورة الحاجة الماسة إلى وقف جنون الضم الذي سيضع (إسرائيل) في ورطة استراتيجية وأمنية واقتصادية وسياسية، ستكون غارقة فيها.