لا أعتقد أن في العالم أو على مرّ العصور في التاريخ البشري ضريرًا مكث في السجون ما يزيد على ثلاثين سنة، إلا هنا مع هذه الكتلة البشرية الصماء التي تسمّي نفسها "دولة إسرائيل"، التي أحسن من عبّر عن جوهرها الألمعيّ وزيرهم المعتوه "بينيت"، فأراد أن يبادل أسرى المقاومة بأجهزة تنفس ومعدات مواجهة فيروس كورونا، يقولون مخ دجاجة، ولكن ثبت أن هناك لديهم مخ فيروس.
علاء البازيان أعلى وأجلّ بما يحمل من قضية عادلة من أسراكم القتلة، الذين جاءوا غزة بدبابتهم ليقتلوا الأطفال والمدنيين.
لمن لا يعرف علاء البازيان: بلغ ما أمضى في السجون أربعًا وثلاثين سنة، آخر مرة أطلق سراحه من سجنه المؤبد في صفقة وفاء الأحرار، ثم أعيد اختطافه بعد أن عاد إلى مسقط رأسه في حارة السعدية على مشارف المسجد الأقصى، تزوج وأنجب ابنتين في استراحة المجاهد هذه ما بين المؤبد واختطافه خارقين بذلك كل الأعراف الأخلاقية والقانونية والإنسانية، دون أيّ مسوغ ودون أي تهمة جديدة، فقط مجرّد حالة صرع انتقامية تنتابهم فيغتصبون حياة إنسان ضرير مسنّ تجاوز الستين من عمره، هذا يدلّ على أي درجة سفلية في عالم الجريمة والقرصنة والسطو المسلّح والعدوان الفاشي وصلوا إليها.
علاء البازيان معتقل مخضرم، عرك السجون بكل ويلاتها، عصر السجون بقبضة يده ليخرج منها عصارة مركزة من الصبر والمرابطة والثبات في مرابض الأسود ومعاقل الحرية وخنادق التحدي، هو ليس معتقلًا عاديًّا بل هو الذي يخرج النور من عمق الظلام، هو في ظلمات ثلاث: السجن وفقدان البصر والمرض، ولكنه هناك يصنع النور والحياة، كل من يلتقيه من المبصرين يستمد النور من ذاك النور الساطع، أذكر -والله- كيف كان يعيد قراءة المقال الذي نبذل فيه جهدنا أيام كنا نحبو في عالم السياسة ونتعلم دروبها، لا يمرّ بحرف أو كلمة أو مصطلح أو فكرة إلا ويعيد لها وضعها الأقوى والأجمل، فضلًا عن تصويب الخطأ وتصويب البوصلة.
كان وما زال شعلة متقدة وروحًا وطنية وكأن فلسطين العظيمة هذه تسكنه بكل تفاصيلها، وبكل ما تحمل من آمال وطموحات ناسها، لم تسقط من قلبه ذرة من ترابها، ولم تسحبه السياسة من أي حق من حقوقها، ظلّ قابضًا على جمر الحق والحرية والقضية بكل أبعادها، لم يهن أو يلِن جناحه لكل دعاوي السلم المخادعة، بقي قابضًا على السلاح دون أي تراجع، ولو على سبيل التكتيك والمناورة.
علاء الدين مدرسة خالدة تدرّس أسفار التاريخ، وترسم المستقبل، المشرق وترسي قواعد الحرية الكاملة والاستقلال الذي لا شائبة فيه، تبوأ مقعد الحكمة وتكلم بها، إذا تكلم أوجز وأثرى، تهبط معانيه الخارجة من قلبه الجميل وعقله الوافر هبوطًًا يتحف القلوب والعقول ويفي بالهدف، علاء مدرسة وجامعة يراعي مقامات من يحدّث، يسبر أغوارهم بقلبه دون أن تراهم عيناه، علاء أبصر ووصل إلى منابع الحكمة وهو البارع في إيصالها وتعليمها، لقد شكل في السجون أكاديمية فريدة ينهل منها كل من يسعده حظه ويلتقيه.
والآن نريد لهذا النور أن يكون خارج السجن، نريد أن نرى نوره لا أن يرى هو النور خارج السجن، لأنه هو نور مميز بعينه، بالفعل آن لهذا الفارس البصير أن يعود لحياته، وأن يعيد لحارة السعدية روحها وبهاءها.
علاء البازيان نحن بحاجة لحريته كما هو بحاجة لحرية وطنه وشعبه، كفاه سجونًا، وكفى لهذا العدوّ كل هذا التمرّد الأهوج على كل الأعراف والقوانين والأخلاق البشرية، الذي لم يسبقه إليه أحد.