ألقى وباء كورونا بأثقاله على كل ميادين الحياة البشرية. استمرار فعاليته في كل مكان دفعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى التحذير من أن الأسوأ لم يأتِ بعد في الدول التي تشهد نزاعات، داعيًا إلى وقف النار في مختلف أنحاء العالم، للمساعدة في الحد من تفشي كورونا، كما إلى وضع حد للصراع الكارثي والكابوس الإنساني في اليمن، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية جوزيف بوريل، أعلن دعم أوروبا لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى تخفيف العقوبات المفروضة على بعض البلدان في ظل جائحة كورونا، مؤكدًا أن من شأن العقوبات، الإسهام في تفاقم أخطار تفشي الوباء في البلدان، التي تشهد صراعات مثل سوريا وليبيا واليمن.
المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن، دعا إلى تخفيف العقوبات التي يفرضها منافسه الرئيس دونالد ترامب على إيران، من أجل مساعدتها على مواجهة كورونا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران وسوريا، ومثله فعل الرئيس الصيني شي جي بينغ ومجموعة دول الـ77. ثمة إجماع عالمي على ضرورة تخفيف حدة الصراعات، ووقف العقوبات الاقتصادية والنزاعات المسلحة في كل مكان، بغية التركيز على مواجهة الوباء الفتاك. وحدها (إسرائيل) بقيت خارج هذا الإجماع، بل مُمعنة في استخدام كورونا كسلاح سياسي وعسكري في وجه المقاومة العربية لها، ولا سيما في فلسطين وسوريا. فقد اعتقلت وزير شؤون القدس فادي الهدمي، بسبب توزيعه مساعدات وفرتها الحكومة الفلسطينية للمواطنين لمواجهة كورونا. كما تشددت في منع وصول أجهزة التنفس الاصطناعي إلى قطاع غزة، في محاولةٍ للضغط على تنظيمات المقاومة، بغية تسليمها الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها كشرط لتسهيل وصول أجهزة التنفس الاصطناعي إلى القطاع.
حركة «حماس» سارعت إلى الرد، رئيسها في غزة يحيى السنوار حذر وزير الحرب الصهيوني بينيت بقوله: «إذا وجدنا أن مصابي كورونا في قطاع غزة لا يقدرون على التنفس، سنقطع التنفس عن 6 ملايين اسرائيلي، وسنأخذ ما نريده منكم بالقوة». قيادات (إسرائيل) السياسية المتخبطة في صراع سياسي حاد حول تشكيل حكومةٍ ائتلافية، تبدو منقسمة بين اتجاهين: الأول، يميني عنصري متعصب يدعمه المستوطنون، ويدعو إلى تشديد الحصار على قطاع غزة، وانتهاز جائحة كورونا لابتزاز تنظيمات المقاومة، بغية إطلاق الجنود الصهاينة الأسرى لديها، لقاء أي مساعدة يمكن تقديمها لمواجهة الوباء الفتاك. الثاني، أقل تصلبًا يدعو إلى انتهاز ضائقة القطاع لعقد صفقة مع «حماس» وسائر تنظيمات المقاومة، يكون من شأنها وقف، أو على الأقل تخفيف حدة عمليات المقاومة ضد الحصار والمستعمرات الصهيونية في غلاف غزة.
غير أن ثمة سؤالًا مفتاحيًا يطرحه المراقبون السياسيون في تل أبيب: هل في مقدور «حماس» وتنظيمات المقاومة تنفيذ تهديدها فعلًا «بقطع النَفَس» عن (إسرائيل)؟
المحلل العسكري أليكس فيشمان في صحيفة «يديعوت أحرونوت» (29/3/2020) يؤكد: «إذا وجد المسؤولون في «حماس» أنفسهم أمام تصاعد كبير في أعداد المصابين بفيروس كورونا، فإنهم سوف يهاجمون (إسرائيل) لدعم المطالبة بالمساعدة الطبية واللوجستية اللازمة لمواجهة الوباء، وإن تحليل المسؤولين العسكريين يبدو كارثيًا في تقديراته، إذ يتوقع انطلاقًا كثيفًا للصواريخ الفلسطينية، لم تشهد له (إسرائيل) مثيلًا منذ سنوات، وأن تشمل السيناريوهات، هجمات بالصواريخ وقصفًا بمدافع الهاون على المدن والبلدات الإسرائيلية من لإجبار (إسرائيل) والمجتمع الدولي على مساعدة «حماس» في مواجهة تفشي الوباء».
فريق من الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي، نشروا دراسة في «مباط عال» (27/3/2020) ركزوا فيها على موقف الولايات المتحدة من الصراعات الشرق أوسطية عقب تفشي كورونا وتداعياته على دول المنطقة. فقط تخوفوا من أن تتسبب تداعيات كورونا بتركيز اهتمام الولايات المتحدة على شؤونها الداخلية والركود الاقتصادي المتوقع، ما يؤدي إلى حدوث تقليص كبير في مساعداتها الخارجية قد لا تنجو منه (إسرائيل). كما أن الفراغ الناشئ عن تقليص التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، يمكن أن يملأه لاعبون لديهم أجندة معادية لمصالح (إسرائيل). ثمة فريق ثالث من السياسيين الصهاينة، يعتقد أن تفاقم الصراع الداخلي حول تشكيل الحكومة الجديدة واتجاه بني غانتس، زعيم حزب «أزرق أبيض» وحلفائه، الداعي لتبني موقف الولايات المتحدة، بتأجيل ضم الضفة الغربية ووضعها تحت السيادة الإسرائيلية، سيؤدي إلى قبول بنيامين نتنياهو وحلفائه بالتفاوض مع «حماس» وحلفائها، للتوصل إلى تسوية بشأن موضوع المساعدات الطبية واللوجستية التي يحتاجها قطاع غزة لمواجهة كورونا.
ربما تسهيلًا لهذا الاتجاه الاكثر واقعية لدى بعض القادة السياسيين الإسرائيليين ما حمل يحيى السنوار على القول، إن تنظيمات المقاومة في غزة مستعدة لعقد تسوية جزئية بشأن الأسرى الإسرائيليين لديها، إذا استجابت تل أبيب، أولًا، لمطلب الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المحرَرين نتيجةَ «عملية شاليط» بعدما اعتقلتهم مجددًا، على أن ترضخ، ثانيًا، إلى مطلب قطاع غزة بالإفراج لاحقًا عن المساعدات الطبية واللوجستية اللازمة لمواجهة كورونا. ورقة الأسرى الإسرائيليين بيد المقاومة تبدو أكثر فعالية وحسمًا.