منذ تفشي كورونا في أصقاع الأرض، وإعلان منظمة الصحة العالمية بتعرض البشرية لوباء حقيقي، بادرت منظمات الرعاية الصحية ومراكز البحث العلمي بمحاولات الكشف عن طبيعة وخصائص هذا الفايروس غريب الأطوار الذي يتشكل بين الفترة والأخرى ومن منطقة إلى منطقة أخرى، دون أي تقدم لفرق البحث العلمي في التوصل إلى معلومات كافية قد تقودها إلى تحديد اللقاح المناسب ومنه إلى إنهاء الأزمة العالمية.
العديد من الخبراء في علم السياسة والأمن والاقتصاد يُعزي هذا الفشل إلى تدخل الإنسان من خلال إجراء تجارب علمية شكّلت خطراً على حياة الإنسان، مستندين إلى بعض المعارف المعلوماتية التي تنشرها منظمة الصحة العالمية، وبعض التقارير الدولية التي ترصد وتتابع تطور الفيروس وتأثيراته على المجتمعات الغربية والعربية، والتداعيات التي ستؤثر على مستوى العلاقة بين قطبين من أقطاب العالم، الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
المؤيدون لهذه النظرية هم قلّة على المستوى العالمي، ويقرؤون الأزمة من زاوية مختلفة تماماً، أهم محاورها: الهيمنة على اقتصاد العالم ووضع الدول العظمى في دائرة ضيقة لكشف ظهرها الذي يستند على وهم وخداع وتضليل شعوبها، وأنها معرضة للانهيار بين عشية وضحاها، وقد ظهرت هذه الدلالات في العديد من بلدان العالم التي فشلت في إدارة الأزمة وإجراءات الوقاية اللازمة وتكبدت ثمناً باهظاً، منها: إيطاليا، وإسبانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإيران. فهل كان هناك خطأ مقصود للإطاحة بتلك الدول؟ وما مصدر هذا الخطأ؟
هل هو الصين، التي تكبدت آلاف الأرواح وتعرض اقتصادها لأقوى هزة عالمية في تاريخها؟ أم الولايات المتحدة التي أُغرقت أيضاً في أتون الأزمة وقد اجتاح الفايروس عددا من ولاياتها والحجر على الولايات الأخرى، وإزهاق آلاف الأرواح، وخسائر قُدّرت بمليارات الدولارات؟ فمن المسؤول عن إشعال حرب بيولوجية خسر بها العالم أجمع؟ فمن المنتصر في هذه المعركة التي لا تقبل القسمة في خسائرها إلا على الجميع؟ فقد استولى كورونا على الكرة الأرضية بكاملها وأوقعها في وحل الهلاك.. فما الحل؟
لقد عرضت السينما عام 1956 فيلماً يتحدث عن عالم الطب "ابن سينا" والذي برع في علاج ما أطلق عليه "الموت الأسود" الذي انتشر في العالم، وهو مرض سريع العدوى وقاتل، وقال عنه ابن سينا: إنه مرض يلتصق بالأيدي والشعر والوجه والملابس، وينتقل من شخص إلى آخر، وحامل المرض بإمكانه أن ينقل العدوى لمائة من الأصحاء، فاغسلوا أيديكم ووجوهكم بماء الخل، واخلوا الأسواق وأغلقوا المساجد، وصلّوا في بيوتكم، ولا تجتمعوا في مكانٍ واحد، ولا تخافوا منه، إن فعلتم ذلك ستنتصروا عليه، إنه الموت الأسود الذي يفر من الأشخاص ذوي الهمّة العالية والقلوب المتحجرة التي تلاحق هذا الوباء. وقد جاء هذا الاستعراض ليعطي صورة كاملة عن وباء كورونا الذي أطلق عليه "ابن سينا" بالموت الأسود.
غرق الشعوب قاطبةً قدّم دلالات ومؤشرات لآخرين أن الفايروس حرب إلهية، أرسله الله تعالى لينتقم من شعوب الأرض وحكامها الطغاة الذين أكثروا فيها الفساد. حربٌ لا حدود لها ولا أمد، ولا وقت ولا تاريخ، ولا مفر منها، فأين المفر عن هذه الأرض، وهل سواها من نجاة إلا إلى الله؟. فقد آمن أصحاب هذا الفكر أن الله تعالى أنزل عقابه لسخطه على البشرية التي عبدت أرباباً، وألّهت آلهةً، وعظّمت عباداً من دون الله، وقتلت الأطفال والنساء والرجال والفتية والشباب بظلمٍ وتجبر وطغيان، لا ذنب لهم سوى أنهم ضحايا دفعوا فاتورة البقاء على قيد الحياة أمام قوى استعمارية وأرواح شريرة جعلت من قضايا المجتمعات الضعيفة محطات تحول في تاريخها لتمنح القوة إلى كبار المستثمرين في السياسة والمال الذين أعادوا رسم الجغرافيا وكتابة التاريخ بدماء الشعوب التي لم تتوقف لحظةً أمام طوفان الإجرام والاستعمار.