حضارة حديثة فاشلة. هذا ملخص نتائج جائحة كورونا. نعم قالوا: إن الحضارة الحديثة رقمية، وتقوم على التقنية العالية، والاتصالات السريعة. وغدا العالم بها كقرية واحدة متصلة الأطراف بالمركز. وقالوا إن هذا في مصلحة البشرية، وإن غزو الفضاء والنزول على القمر بداية علمية جيدة لاكتشاف عالم جديد للإنسان. ومن أجل السيطرة المادية على العالم والفضاء كان سباق التسلح، وإنتاج الصواريخ والقنابل، وهو ما لم يكن في الحضارات السابقة، التي تراجعت.
هذه الحضارة التي أنتجت الرفاهية المادية؛ السيارة، والطائرة، والكهرباء، والهواتف الذكية، وكاميرات التصوير ثلاثية الأبعاد، وقدمت للعالم ميديا خرافية التقنية، وملأت العالم بأدوات القتال والصواريخ، وعابرات القارات، وحاملات الطائرات، ومصارف، وفنادق، وساحات ترفيه، وخلاف ذلك مما لا يعد ولا يحصى، فشلت في مواجهة فيروس صغير، وبان فشلها في الرعاية الصحية بشكل لا يصدق.
تصور أمريكا عندها عجز في أجهزة التنفس الاصطناعي، وتكلفة الجهاز لا تتجاوز عشرة آلاف دولار، في حين عندها فائض في الطائرات والصواريخ! وتكلفة القطعة منها ملايين الدولارات! دول أوروبا عندها العجز نفسه، وعندها الفائض نفسه، حتى الكمامات الوقائية فيها عجز، ويبحثون عنها في الصين. ما هذه الحضارة التي تقف عاجزة أمام المحافظة على صحة الإنسان؟!
حضارة مادية فاشلة تقتل مواطنيها من كبار السن في إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، وأمريكا، بحجة الفيروس ونقص الأجهزة، أو بحجة حماية الاقتصاد ووقف نزيف موازنة الدولة على المتقاعدين! هل ثمة احترام باقٍ لحضارة تقتل الآباء والأجداد ممن بنوها في شبابهم، وعنفوان قوتهم؟! هل هذا هو الوفاء للآباء والأجداد، ولمن أعطوا وقدموا؟!
نعم، نحن أمام حضارة لا إنسانية، ولا أخلاقية، رأس مالية مادية عنصرية. وهذه الصفات هي أمراض الفناء والزوال. لذا نتوقع سقوط هذه الحضارة، وتراجع الدول التي صنعتها، بدءا من أمريكا، وانتهاء بدولة الكيان الصهيوني. وهو ما يعني العودة لإحياء حضارة الإنسان والقيم، والأخلاق والإنسانية التي قدمها المسلمون يوما، حين كان الإسلام إسلاما في المسلمين. الإسلام عائد للصدارة والقيادة، وهذا بعض ما يقوله كورونا عن المستقبل.
الاقتصاد القادم، رغم بقاء المادية لفترة قادمة، سيتخلص من الربا، لتكون الفائدة صفرا، وسيتخلص من النفقات العالية على صناعة السلاح، لتكون الأولوية لصحة الإنسان، ومواجهة الأوبئة. وستتغير تركيبة مجلس الأمن لتكون فيه دول جديدة. وسيتراجع الاستيطان في أرضنا، وستسقط صفقة القرن، وسيحدث انكفاء في دولة الاحتلال، مثلما سيحدث هذا في أمريكا. وسيعيش العالم مع الخالق الأعلى بشكل أفضل. وستسقط المادية الإلحادية، ليرتفع صوت الأذان في إيطاليا وإسبانيا، وأمريكا. المهم أن عالمنا سيشهد تحولات بعيدة المدى، الله أعلم بكنهها. ونحن في غزة وفلسطين علينا المتابعة، والترحيب بهذه المتغيرات، التي ربما تأذن لنا بالخلاص من الحصار والاحتلال. والله أعلم.