التنمر هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة، وهو من الأفعال المتكررة على مر الزمن والتي تنطوي على خلل في النظرة إلى الآخرين.
يمارس الناس التنمر بناءً على الصورة الذهنية التي شكلوها فرديًا عن شخص أو جهة معنية، أو بناءً على الصورة النمطية التي شكلتها لديهم مُوجّهَات الرأي العام من وسائل إعلام وقيادات الرأي ومؤسسات المجتمع المحلي، وهذا ما يجعلهم غير مدركين -إلى حدٍ ما- الجريمة التي يرتكبونها بحق المتنمَّر بحقهم، والأذى النفسي الذي يتركه هذا الأسلوب.
المشكلة عبر الأزمان أن التنمر لم يكن في مصاف الجرائم البشرية التي يحاسب عليها القانون، إلى بدايات الألفية الثالثة، حيث بدأت دول كأميركا ووكندا والفلبين وتشيلي سن قوانين لمكافحة التنمر، وتجريم مرتكبه، وعدمُ تصنيف التنمر جريمة، أدى لانتشاره بين الناس على أنه أمر عادي، أو يأتي في سياق الدعابة والمزاح، مع أن ديننا الإسلامي -مثالًا وليس حصرًا- نهى عن ذلك في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
إن ما حدث من تنمر كبير على حالتين مُصابتين أُعلِنَ عنهما في قطاع غزة بفايروس كورونا (لمواطنيْن عائدين من باكستان) لخير دليل على أننا ما زلنا لا نعي أن هناك حدودًا في ديننا وثقافتنا وقانوننا تنهانا عن التنمر والتي يجب علينا أن نلتزمها، وكثر مارسوا هذا التنمر في دوائر الإعلام الاجتماعي المغلقة، لكنهم تغافلوا أن من خصائص هذا الإعلام أنه لا يحفظ سرًا، ولا يعرف خصوصية.
كما أن هذا يفتح الباب واسعًا أمام ضعف الصورة النمطية مقابل الصورة الذهنية في مجتمعنا، مع أن الأصل أن الصورة النمطية أن تكون الثابت الذي يغير الصورة الذهنية، لكن يبدو أن أصحاب الصورة النمطية لم ينتبهوا لهذه القضية مبكرًا، لذا فمطلوب منهم الآن، أن يطلقوا حملات توعوية عن احترام خصوصيات المرضى أو حتى المحجور عليهم احترازيًا، عسى أن تتغير هذه الصورة الذهنية غير السليمة التي فرضت نفسها في الأيام الأخيرة، وآذت أسرًا فلسطينية نقدرها ونحترمها.