فلسطين أون لاين

بحر: الياسين الأب الروحي لحماس ورمز وحدة للفلسطينيين

...
صورة أرشيفية
غزة - يحيى اليعقوبي

مثل مخيم الشاطئ للاجئين مركز انطلاقة الشيخ أحمد ياسين، فكان الشباب والرجال يؤمون بيته لحكمته وتواضعه واستقباله للناس على مدار الساعة، فكان مربيا عمل بكل جد واجتهاد .

ويحيي الفلسطينيون اليوم الذكرى الـ13 لاستشهاد مؤسس وزعيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الشيخ أحمد ياسين، الذي اغتالته طائرات الاحتلال الإسرائيلي فجر 22 مارس 2004.

صحيفة "فلسطين" حاورت د. أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي ورفيق درب الشهيد أحمد ياسين منذ مرحلة تأسيس حركة حماس حول حياة الشيخ التنظيمية والسياسية في بناء هذه الحركة التي تتمتع بمكانية محلية ودولية.

يقول بحر: "إن التنظيم بدأ بمعسكر الشاطئ من خلال تنظيم شباب يريدون رفع راية الإسلام، والدفاع عن هذا الدين، ويكمل: "كان الشيخ مؤمنا أن للدفاع عن الدين وتحرير فلسطين، لا بد أن يكون هناك تنظيم على مستوى الدقة والإخلاص والاتقان وتقوى الله".

وهكذا أسس الياسين جماعة قوية ليس فقط بتنظيم الأشخاص في تلك الفترة، بل كان له باع بالجانب الرياضي، ويردف بحر: "كان دائما بعد صلاة العصر يقف الشيخ مع أنه مقعد أمام الشباب ويشجعهم، وفي الاستراحة يعطيهم موعظة دينية، فأهم ما بالشيخ أنه متواضع وتقي يحافظ على صلاة الفجر وهذا سبب الالتفاف حوله".

المسؤول الأول

وبعد عام 1967، يكمل بحر، اختير الياسين أن يكون مسؤول جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين، "لعل ذلك ظاهرة ربانية بأن يقود التنظيم ويكون له رمزيته وقوته في إلهاب الشباب وتحريضهم على قتال الاحتلال"، فكان لا يملك مسدسا ولا بندقية ولكن في كل جلسة يقول: "نريد تحرير فلسطين وجمع السلاح".

ويستدرك بحر: "حتى حينما كان الشيخ بالسجن كان يتواصل مع المجاهدين ويوصي الناس بالدعوة والصبر والصمود ".

وأيضا بفترة سجن الياسين، والكلام للنائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، اتصل الرئيس الراحل ياسر عرفات بأولاد الياسين، يريد بناء بيت للشيخ يليق بقائد تنظيمي فلسطيني، وكذلك عرض عليه من أناس بالداخل المحتل، ومن خارج فلسطين أيضا ذلك، فرفض الشيخ جميع العروض.

وأكمل بأن الشيخ كان يهتم بقوة التنظيم، ويقول دائما: "اجعلوا واحدا من الرجال الكبار يداوم بالمسجد على الأقل ثلاث صلوات حتى يلتف الناس حوله"، يحرص على العمل حتى وصل أبناء حماس إلى عشرات الألوف.

"ما زال كلامه وتعليماته التي كان يصدرها تدلل على شفافية ووعي وعمق الياسين، تحافظ على وحدة حماس". كما قال.

مرحلة التأسيس

يلخص بحر مرحلة التأسيس، التي بدأت بمخيم الشاطئ للاجئين، ثم مرحلة الدعوة التي بدأت بشهر رمضان بأوائل السبعينات من القرن الماضي، ويزيد: "كنا ثلاثة أو أربعة أفراد نجتمع بمسجد المجمع الإسلامي، ويوزعنا الياسين على المساجد المختلفة للدعوة".

في أحد تلك الأيام، بحر يعتذر من الشيخ عن عدم الذهاب إلى أحد المساجد بسبب انفلونزا أصابته، "الله يسهل عليك .. أنا بروح عنك"، كان ذلك رد الياسين، فيكمل مبتسما: "اضطررت أن أذهب ولا أعتذر".

وفي أحد الاجتماعات ونظرا لتورم قدمي الياسين طلبوا منه أن يرتاح، فرفض، يتمم بحر: "كان الياسين نموذجا يملك إرادة وعزيمة فولاذية لا توجد عند أحد، فكان يرفض أن يقوم حتى تنتهي الاجتماعات أو الجلسات رغم تورم قدميه".

وبذلك أسس الياسين تنظيما قويا وعلاقات مع كافة أبناء الحركة، وفي أوائل الثمانينيات قاد العمل الجهادي الذي كان في روحه ويذكره بكل جلساته، واشترى السلاح، حتى أوجد القسام وأصبحت حماس يخشاها الاحتلال.

مرحلة الملاحقة

واعتقل الشيخ أحمد ياسين عام 1983 بتهمة حيازة أسلحة، وأصدرت محاكم الاحتلال حكما بسجنه لمدة 13 عاما، ولكن أفرج عنه عام 1985 في إطار عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وفي ليلة 18/5/1989 اعتقلت سلطات الاحتلال الشيخ ياسين وصدر بحقه حكم بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، وذلك عام 1991، ولكنه خرج في عملية تبادل أخرى في أكتوبر 1997م جرت بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي عقب محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والقبض على اثنين من عملاء "الموساد" سلمتهما للاحتلال مقابل الإفراج عن الشيخ ياسين.

يكمل بحر الحديث عن رفيق الدرب والنشأة، بأنه بعد ذلك أصبح هناك انتشار للتنظيم على مستوى الوطن والنقابات والكتل الإسلامية، وأسس الياسين الجامعة الإسلامية، حتى دخل السجن وخرج عام 1997، وعمل على وحدة الحركة، وانفتح على العلاقات الخارجية والفصائلية.

فكانت الفصائل، كما يذكر بحر، تجمع أن الشيخ صاحب الوحدة، وأن وجود الشيخ رمز لوحدة الشعب الفلسطيني تجمع عليه كافة الفصائل، ولو حدثت أي مشكلة بالبلد تجتمع كافة الفصائل عند الشيخ وتنهي المشكلة عنده، إضافة إلى دوره على مستوى الإصلاح، فكون لجنة إصلاح كان على رأسها.

يختصر شخصية الياسين بأنه الرجل الأقوى الذي التف حوله الشعب الفلسطيني وحركة حماس والإخوان المسلمون، فرغم أنه لم يتخرج من "الاقتصاد والسياسة" إلا أن السياسيين كانوا يتعلمون منه، تنتظر الصحافة كلمة منه، فإذا ما قال الشيخ ياسين يخشاه الإسرائيليين.

يدلل بحر على صلابة الياسين سياسيا، أنه في أوائل التسعينات حينما وافق الشيخ ياسين على هدنة مع الاحتلال وفق توافق وطني، وحينها انطلق الإسرائيليين للفنادق والمناطق الساحلية، ولكن عندما أخل الاحتلال بالهدنة، وفور أن أعلن الشيخ ياسين سحب الهدنة، دخل الإسرائيليون في منازلهم وملاجئهم.

استراتيجيات

أهم ما ركز عليه الشيخ ياسين في الإدارة، تبعا لحديث رفيق دربه بحر، هي الشورى فكان لا يفتي في شيء أو يتخذ أو يبت بأي قرار سياسي أو عسكري أو أي مشروع له علاقة بالاقتصاد والمال إلا بعد أن يرجع للمتخصصين ويأخذ برأيهم، وأحيانا يستشير أشخاصا من خارج حماس.

وتركزت استراتيجية الشيخ ياسين داخليا، بالصبر وعدم افتعال الاقتتال الداخلي لأن مصيبته ستكون أكبر، ويذكر بحر أنه حينما فرضت السلطة الفلسطينية الإقامة الجبرية على الشيخ ياسين بالمجمع الإسلامي، كان يحيط بمنزله 30 شرطيا على مدار الساعة، إلا أن الشيخ كان يرسل لهم الغداء كل يوم، ويقول: "هؤلاء مساكين، ربما لم يتناولوا الغداء "، فغير ذلك من نفوس من أقاموا "الجبرية" عليه.

أما استراتيجيته بتحرير فلسطين، فكان منها أنه يحرص على التوافق الفلسطيني على قتال الاحتلال، وكان هناك تغيير في الأساليب والتكتيكات وليس بالاستراتيجيات، حتى أصبحت حماس تملك من القوة ما تخيف به الاحتلال والحروب الثلاثة السابقة على غزة أظهرت كيف ثبتت حماس.

"الياسين هو الأب الروحي لحماس والشعب الفلسطيني".. يقول بحر، متابعا: "هو رجل صبور داهية بالسياسة"، كان السجن لا يزيده إلا إصرارا على إصرار، فبعد أن سجن بالمرة الأولى 11 عاما وخرج بصفقة التبادل مع أحمد جبريل، عاد لترتيب صفوف المجاهدين لأن الناس أعطته الثقة ".

وقبل استشهاد الياسين عام 2004، والكلام يبقى لبحر، أجريت انتخابات حركة حماس، فلم يقبل الشيخ أن يوضع كزعيم مباشرة بل كان يحترم اللوائح التنظيمية، فانتخب من القاعدة زعيما لحماس.

و كان الشيخ ياسين المطلوب رقم واحد على قائمة الاغتيالات للاحتلال، فيقول بحر: " أصر رئيس وزراء الاحتلال السابق أرئيل شارون على اغتيال الياسين، وذلك بعد عملية الاستشهادية ريم الرياشي، فحينها خشي بعض القيادات التحدث عن العملية لأن المنفذة امرأة ".

ولكن الشيخ خرج بمؤتمر وقال إنه من حق المرأة الفلسطينية التي سلبت أرضها أن تدافع، وأن الرياشي منذ ثلاثة أعوام وهي تطلب تنفيذ العملية، وحتى العلامة يوسف القرضاوي أيد ما قاله الياسين، وهذا ما سرع جريمة الاغتيال، وفق بحر.

"أنا مرتاح؛ أصبح التنظيم قويا وهناك جيش ورجال".. هذا ما قاله الشيخ في آخر أيامه، ويضيف بحر: "نتيجة شدة مرضه فلو لم يغتله الاحتلال ربما كان توفي، ولكن الله أراد أن يكرمه بالشهادة ورفع اسمه على مستوى فلسطين والعالم العربي والدولي وفتحت له أعراس شهادة بكل مكان".

استشهد الياسين فجر يوم الاثنين 1 صفر 1425هـ الموافق 22 مارس 2004م وذلك لدى عودته من صلاة الفجر، حيث استهدفته طائرات الاحتلال بثلاثة صواريخ، فنال الشيخ أمنيته الغالية في الحياة، وهي الشهادة، بعد سنوات طويلة في الجهاد والنضال والدفاع عن فلسطين والقدس والأقصى.