في مطلع عام 1977م انخرطت دلال سعيد المغربي في مخيمات الزهرات في حركة فتح لتقوم بواجب الدفاع عن فلسطين وطرد الغاصب الصهيوني منها، لقد كانت في كل يوم من أيام تدريبها تتطلع إلى ذلك اليوم الذي تثأر فيه لدماء شعبها ولعذاباته وحرمانه جراء العدوان الصهيوني المستمر، والذي ذهبت دلال ضحيته عندما طرد أهلها من أرضهم وتركهم مشردين لاجئين، كان حلمها أن تدب قدماها على أرض فلسطين، وأن تلتقي عدوها بشجاعة فتقتله وترد بعض الاعتبار لأهلها وشعبها. في تلك الأثناء كان المسؤول عن ملف الاتصالات مع ما أسماهم "بالمعتدلين اليهود"، والمتحمّس لهذا الملف كثيرًا: محمود عباس (أبو مازن) يتابع خطوات مساعديه في لقاءاتهم السرية والعلنية مع بعض الصهاينة ممن تلطخت أيديهم بدماء شعبنا في عام 1948م ثم لم يلبثوا أن قرروا خدمة قضيتهم بعد عام 67 من خلال أخذ الاعتراف بـ(إسرائيل) من ممثلي الشعب الفلسطيني، لكن عباس لم يكن آبهًا بإجراءات السرية، ففي 2 يناير 1977م صرّح بأن فتح لا تعارض إجراء اتصالات مع جهة إسرائيلية تتبنى السلام، وقد جاء تصريحه ذلك إثر اللقاء بين عصام سرطاوي ومتتياهو بيليد لإقرار مبادئ مجلس السلام الإسرائيلي الفلسطيني في 1/1/1977م، وفي منتصف يناير صرح عباس بإجراء هذه الاتصالات مع منظمات يهودية.
وبينما دلال المغربي ورفاقها يتهيؤون للمهمات الجهادية، كانت قيادة فتح تفاوض الأمريكان سرًا بشأن الصيغة الأكثر قبولًا لديهم للقرار 242، فقبلوا بالبيان السوفيتي الأمريكي المشترك في مطلع أكتوبر 1977، وتستمر في سعيها لقبول القرار، حتى قطعت عليهم زيارة السادات لـ(إسرائيل) أحلامهم. وبينما قرر أبو جهاد مسؤول مكتب الأرض المحتلة التصعيد العسكري ردًا على زيارة السادات، فبدأت دلال ورفاقها يضعون اللمسات الأخيرة على خطة اقتحام الكيان الصهيوني في عقره ، كان أبو عمار مشغولًا في رسائل سرية يرسلها إلى السادات لبحث الحكم الذاتي وموقع منظمة التحرير منه. لقد انخرطت قيادة منظمة التحرير في التوجهات الرسمية العربية، وأصبحت تتصرف كأي منها، وانفصلت شعوريًا عن المجاهدين الذين يتضورون حنقًا على عدوهم، ومن هنا جاءت عملية دلال المغربي (في 11/3/1978م) لتقول (لا) قوية وعالية بصوت الرصاص والقنابل، وبلون الدم، لا للسلام مع (إسرائيل)، لا للتفاوض مع المجرمين، لا للحلول الاستسلامية، ولذلك كان اسم العملية: "عملية كمال عدوان" لأن كمال كان مسؤولا عن القطاع الغربي، ومؤمنًا أشد الإيمان بأن هذا العدو لا يصلح معه إلا لغة القوة والرصاص والدم، وأن الحلول السياسية ما هي إلا مضيعة للوقت لصالح العدو.
لقد نسي محمود عباس، الشهيدة دلال المغربي ورفاقها تسعة وثلاثين عامًا، لأنه أصلًا لم يؤمن بمنهجها، بل نَبَذَه، ولا أبالغ إن قلت ربما قطّب جبينه غاضبًا بعمليتها لأنها عكّرت عليه صفو اللقاءات الحميمة التي يعقدها ومساعدوه سرًا مع الصهاينة. لقد كان أبو مازن يحلم في يوم نعيش فيه بسلام إلى جانب (إخواننا اليهود)، وإذ بدلال تصر على خطاب الدم والثأر. لذلك لم يكن واردًا لدى عباس وزمرة أوسلو أن يطالبوا برفات دلال أو رفاقها، أو بأسرى فتح والثورة الفلسطينية، وخاضوا إلى اليوم ربع قرنٍ من مفاوضات علنية وسرية لم يتطرقوا لهؤلاء الأبطال، ببساطة لأنهم لا يعتبرونهم أبطال بمقدار ما يعتبرونهم سفاحين زادوا من سعة الهوة بين الفلسطينيين واليهود.
واليوم، ريما تمنى أبو مازن لو أن أحدًا لم يذكر دلال ولم يطلب رفاتها، فلقد أصابته الحمى من تلك المحاولة الفاشلة للمبادلة الباهرة التي أجراها حزب الله في 16/7/2008م، ولفت فيها الانتباه إلى قبح الدور الذي يقوم به أبو مازن، عندما يطمس تاريخ الأمجاد والثائرين من أجل الحرية والعدالة. لقد أكدت دلال أن مكافحة كامب ديفيد تكون بمزيد من العمليات النوعية، تمامًا كما هي فلسفة عملية عيلبون الانطلاقة عندما أرادت أن توصل للزعماء العرب أن مكافحة مشروع المياه القطري لـ(إسرائيل) لا يكون بإنشاء مشروع موازي بل بتدمير المشروع الصهيوني. هل كانت دلال محقة في عرف أبو مازن وقيادة منظمة التحرير، وهل كانت عملية عيلبون محقة، فأين أبو مازن اليوم من هذا النهج الذي ارتضاه شرفاء شعبنا البطل؟!! وأين أبطال شعبنا في الخارج الفلسطيني والداخل من عمليات بطولية كعملية دلال؟!