منذ اليوم الأول لإعلان الرئيس الأمريكي ترامب نيته الترشح للانتخابات الرئاسية وهو يتبنى سياسة منحازة كليًا لـ(إسرائيل)، حتى أعلن ذلك بشكل واضح خلال المؤتمر الصحفي بين ترامب نتنياهو الذي عقد في 15/2/2017م، وهو ما أشعر السلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس بالقلق والإرباك مما يحدث في ظل تزايد الحديث عن الحل الإقليمي والصفقة الكبرى، وتوتر علاقات الرئيس عباس مع القاهرة، إلى أن جاءت الزيارة الأخيرة للتخفيف من حدة التوتر بين السيسي وعباس.
ما سبق يطرح التساؤلات التالية: ما هو جوهر الخلاف بين القيادة الفلسطينية والإدارة الأمريكية الجديدة..؟ وما الجديد الذي دفع ترامب لدعوة عباس للبيت الأبيض..؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لنتائج اللقاء..؟
قبل الإجابة عن التساؤلات السابقة لا بد من التطرق لملامح السياسية الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية.
أولًا: أبرز ملامح السياسية الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية
1. الإدارات الأمريكية المتعاقبة هي إدارات متشابهة فيما بينها في التعاطي مع الملف الفلسطيني من حيث المضمون ومختلفة من حيث الشكل.
2. لم تكن الولايات المتحدة يومًا جادة في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واستخدمت كافة المبادرات التي كانت تقودها لكسب مزيد من الوقت لصالح (إسرائيل) لفرض وقائع جديدة على الأرض.
3. تنقسم محددات السياسة الخارجية الأمريكية إلى محددات داخلية وخارجية، فالمحددات الداخلية تضم كل من الرأي العام –جماعات الضغط بينما المحددات الخارجية تضم النفط– و(إسرائيل) كمحدد للسياسة الخارجية الأمريكية. وبعد اكتشاف النفط الصخري بوفرة في الولايات المتحدة والمكسيك، لم يعد النفط مرتكز رئيس في تحديد معالم وتوجهات السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. في سياق تلك المحددات نستطيع أن نفهم موقع (إسرائيل) في السياسة الأمريكية ودور اللوبيات وجماعات الضغط في التأثير في صناعة القرار الأمريكي بما يخدم مصالحها، ولكن المسألة ليست على إطلاقها، فالوجود العربي والإسلامي وأحرار العالم أصبح له تأثير أيضًا على الرأي العام بما ينعكس ولو نسبيًا على اتجاهات القرار الأمريكي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ثانيًا: طبيعة الخلاف بين ترامب عباس
لا يوجد خلاف بالمعنى الشامل للكلمة بين دونالد ترامب والرئيس محمود عباس، بقدر ما هو تغيير في شكل التعاطي الأمريكي مع الملف الفلسطيني بما يخدم توجهات الإدارة الأمريكية.
لم تنقطع الاتصالات والمباحثات بين الإدارة الأمريكية وبين السلطة الفلسطينية بعد تولي ترامب سدة الحكم، فقد جرى لقاء بين رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج والوفد المرافق له مع مسؤولين أمريكيين، كما التقى رئيس CIA بعباس في رام الله، وقبل 24 ساعة من الاتصال بين ترامب عباس اجتمعت مندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة مع مندوب فلسطين رياض منصور. وأخيرًا التقى جيسون غرينبلات المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعباس لإحياء جهود (السلام) المتعثرة.
ثالثًا: الدوافع التي كانت وراء دعوة ترامب لعباس
بات من الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعمل وفق مبدأ تدجين عباس وسلطته دون الوصول لمرحلة الانهيار الشامل، كون السلطة الفلسطينية مصلحة لكافة الأطراف، حيث جاءت الدعوة الأمريكية لعباس في وقت يعاني منه الرئيس عزلة سياسية داخلية وخارجية، وبتهديد حقيقي يستهدف مستقبله السياسي، وهذا ما يفسر نشوة الانتصار التي بدت ملامحها واضحة على وجه القيادة الفلسطينية بعد اتصال ترامب عباس.
من الممكن حصر أهم الدوافع التي تقف خلف دعوة ترامب لعباس:
1. رغبة ترامب توظيف حالة العزلة السياسية التي يعاني منها عباس بما يخدم توجهات السياسة الأمريكية في استئناف المفاوضات السياسية دون شروط مسبقة.
2. نجاح الدبلوماسية الفلسطينية في توظيف جماعات الضغط العربية داخل الولايات المتحدة وبعض الشخصيات المقربة من ترامب منها عدنان مجلي لترتيب الاتصال والزيارة.
3. خشية جميع الأطراف من سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية وانعكاس ذلك على الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي، وأهم تلك الأطراف الأردن.
سنكون مع أهم السيناريوهات ضمن الجزء الثاني من المقال...