بينما تتناسى معظم دول العالم خلافاتها الراهنة، وتنصهر في بوتقة واحدة دون تمييز بين دولة غنية وأخرى فقيرة؛ لإيجاد ترياق ناجع لفيروس «كورونا»، الذي يهدد البشرية جمعاء، تمضي دويلة الاحتلال الإسرائيلي في عنصريتها المقيتة؛ بل إنها تستغل فرصة الانشغال العالمي؛ لتزيد من منسوب إجرامها؛ عبر تطبيق سياسة الأبارتهايد حتى على من تضعهم قيد الاعتقال إلى جانب سرقتها للأراضي الفلسطينية؛ لإقامة بؤر استيطانية لقطعان المستوطنين، متذرعة بفكرة عنصرية؛ تتمثل بيهودية الدولة العبرية، وطرد المكون الفلسطيني حتى من أرضه؛ حيث إنها انتهزت الجائحة التي صرفت أنظار العالم عنها، لتقتلع نحو 1200 شجرة زيتون في بيت لحم، وتعمل على تنفيذ مخططها الاستيطاني، بإنشاء 1739 وحدة استيطانية في عمق الضفة الغربية، كما جاء في رسالة مندوب فلسطين الدائم التي سلمها للأمين العام للأمم المتحدة؛ لكن تلك الرسالة لم تلق أذاناً صاغية؛ لأن العالم الآن منشغل بما يحفظ له وجوده، متناسياً أن هناك شعباً يرزح تحت نير الاحتلال منذ عشرات السنين، ويذوق من ذلك الاحتلال الجاثم على صدره أضعاف ما يذوقه من يعاني «كورونا» وتبعاته.
دويلة (إسرائيل) منذ إنشائها لم تكتف بتهجير السكان، وسلب ممتلكاتهم؛ بل إنها عملت على التنمر العنصري تجاه من أبى منهم أن يرحل عن أرضه، ومارست تجاههم مختلف أنواع الإجرام؛ سعياً منها لسلب هويتهم؛ إذ إنها غيّرت أسماء المدن العربية، واستعاضت عنها بأخرى عبرية، ولم تسمح للكثير منهم بالاقتراب من مؤسساتها السياسية إلا بالقدر الذي لا يشكلون فيه أي تهديد لها، وحتى من وصل منهم إلى «الكنيست»، فإنها حاصرتهم سياسياً، ولعل العنصرية وحدها هي ما يفسر عدم تشكل حكومة بني جانتس؛ إذ يرفض أغلب الساسة الصهاينة، دعم القائمة العربية المشتركة، ويحاولون البحث عن حليف يهودي بدلاً عنها.
الصلف الأبارتهايدي «الإسرائيلي» ليس جديداً على دويلة الاحتلال، وهو لم يُمارس ضد العرب وحسب؛ بل حتى ضد بعض فئات اليهود كما حدث مع الفلاشا؛ لكن الجديد ما أعلنه وزير الأمن الداخلي «الإسرائيلي»، جلعاد أردان عن نيته الإفراج عن 500 من السجناء الجنائيين اليهود؛ للتخفيف من اكتظاظ السجون، وخشية تفشي وباء «كورونا» بينهم؛ لكن في المقابل تناسى أن في سجون كيانه 700 أسير مريض، وأكثر من 200 طفل إلى جانب العشرات من النساء والمسنين، الذين يفتقرون لأدنى الحقوق الإنسانية التي كفلتها لهم اتفاقية جنيف بشأن الأسرى والمعتقلين؛ إذ إنه وعلى الرغم من أن الاتفاقية تنص في المادة (13) منها على احترام حقوق الأسير، والمحافظة على كرامته، ووجوب تمتعه بحقوقه الإنسانية؛ عبر تأمين الشروط الصحية له، فإن (إسرائيل) تضرب بكل ذلك عرض الحائط، وتضع الأسرى الفلسطينيين في معتقلات مكتظة خالية من الشروط الصحية؛ لتذيقهم ألم تفشي الوباء، فهل يا ترى هناك في هذا العالم من يسمع أنين هؤلاء أو يشعر بهم؟