فلسطين أون لاين

"فلسطين" تحاوره بعد 12 عامًا من الأسر

تقرير الاحتراز من كورونا يغيّب مراسم فرحة استقبال المحرر "أبو عقل"

...
الأسير المحرر راتب أبو عقل
غزة- يحيى اليعقوبي

بعد اثني عشر عامًا مرت ثقيلة عليه داخل سجون الاحتلال؛ كانت مراسم استقبال الأسير راتب أبو عقل (35 عامًا) مختلفة عن أي أسير آخر.. كان مفترضا أن ينقله موكب سيارات الأحباب والأقارب من حاجز بيت حانون (إيرز) إلى بيته الذي لا يبعد كيلومتر واحدًا عن الحاجز لكن كل شيء تأجل.

المحرر أبو عقل لم يسلم عليه أحد من أهله، لم تعانقه والدته لتطفئ شوقها، فمنذ أربع سنوات لم تَرَهُ، لم يعانقه والده الذي لم يرَه منذ أسره، لكن أحكام الضرورة فرضتها أزمة فيروس «كورنا» غيبت مشاهد الفرحة الكاملة لمدة أربعة عشر يومًا أخرى.

عند حاجز بيت/ حانون إيرز، 24 مارس/ أذار 2020 لم يجد أبو عقل إلا شرطيا فلسطينيا من غزة يحاول التأكُّد من هويته: "أنت المحرر أبو عقل؟"، هزّ برأسه: "صحيح"، ليخبره الشرطي بلطف: "بدك تسامحنا.. في قرار بالحجر الصحي على كل العائدين بلا استثناء"، فقابلهم بابتسامة رضا سبقت رده: "يسعدني أن أكون أول المبادرين بالحجر الصحي".

مدة هينة

"احنا بنلتزم بالقوانين الموجودة وهدا الشعب شعبنا، فذهبت للحجر الصحي عشان المصلحة العامة".. كلمات سبقتها أخريات في الرضا والحمد عبر فيها عن فرحته بالخروج من بين أنياب السجون الإسرائيلية، يفتح فيها الأسير راتب أبو عقل قلبه لصحيفة "فلسطين"، فيقول: "من أمضى اثني عشر عاما بالسجن سيهون عليه قضاء أربعة عشر يوما بالحجر الصحي، رغم صعوبة القرار، لأني حرمت من رؤية ابي منذ اعتقالي، ومن رؤية أمي منذ أربع سنوات، تفهمت الإجراء، فلا أريد التسبُّب بأي ضرر لعائلتي".

"في الفندق، أشعر بالراحة، الأطباء يطمئنون على حالتي الصحية، أفراد الشرطة يتابعون أوضاعي، أتواصل مع عائلتي عبر الهاتف، كل شيء متوفر".. بهذا يعبر عن رضاه بما يتلقاه من رعاية صحية.

هل هناك أي اجراءات وقائية بالسجن من فيروس كورونا تتبعها إدارة السجون؟ .. تسبق إجابته ضحكة ساخرة يتهكم فيها على إهمال الاحتلال، مضيفا: "لا يوجد أعداد الأسرى مكتظة داخل السجون، الطبيب، المحقق، الشرطي الإسرائيلي يخرج إلى بيته ولا يبقى محتجزا داخل السجن مع الأسرى، بالتالي يمكن نقل العدوى إلى الأسرى، والآن هناك شكوك بإصابة أربعة أسرى".

قبل اليوم الأخير في السجن، بعد انتهاء المحكومية يدخل جندي إسرائيلي إلى غرفة الأسير أبو عقل، يخبره: "بكرا حتروح" كان يعلم بانتهاء مدته، لكن ينتظر تلك الكلمات التي أذابت معها مرارة السجن، لم تتسع الفرحة التي كتمها في قلبه حفاظا على مشاعر رفاقه الأسرى بذات الغرفة، ويردف: "خرجت بغصة في قلبي لأنهم من ذوي الأحكام العالية، حتى أن الاحتلال لم يعطني كمامة ولا قفازات".

والده يبدي رضاه بإجراءات حجر نجله: "تفهمت الأمر، وهذه مصلحة عامة، تقبل ابني للإجراء رفع من معنوياتنا في تأجيل الفرحة" كما تحدث لـ "فلسطين".

ذكريات السجن

من جديد يدخل إلى السجن، لكن هذه المرة من بوابة الذكريات، ينبش في أعماق ذاكرته عن تفاصيل لحظة الاعتقال، الساعة العاشرة والنصف مساءً، 24 مارس/ أذار 2008م تاريخ غير مسار حياة أبو عقل الذي يعيش في بيت حدودي بمنطقة بيت حانون شمال القطاع قرب السياج الفاصل مع الاحتلال، يخبرنا بما حدث: "كنت نائما، قبل أن أستيقظ على دقات باب المنزل من جارنا، وبمجرد ما فتحت وخرجت له أسرتني قوة إسرائيلية خاصة كانت تحاصر المكان وتتخفّى خلف سواتر، واتخذت الجيران درعًا بشريًا للوصول إلي".

بعد التحقيق الميداني، تعرض للتعذيب والشبح على مدار ثلاثة أيام على عمله المقاوم، واستمر بالتحقيق لمدة 56 يومًا، ثم انتقل للمحاكمة وانتظر ثلاثين شهرا في السجون قبل أن يصدر الاحتلال حكما بسجن 12 عاما، تنقل فيها بين سجون عسقلان وإيشيل، وريمون، ونفحة، والنقب، خاض فيها عدة إضرابات خاصة إضراب 2012م للمطالبة بزيارة الأهل وإخراج الأسرى المعزولين بالزنازين.

غرفة الأسر، البوسطة، معاملة السجان، لا تمر عن حديثه أبو عقل، يرحل بكلامه إلى يوميات الأسر: "الغرفة صغيرة بها ثلاثة أبراش حديدية (سرير) مزدوجة عموديًّا، تضم 6-8 أسرى، وكل قسم يضم 120 أسيرا، أمضيت فترتي الأخيرة بسجن النقب، في الصباح تبدأ شرطة السجن بأخذ عدد الأسرى، بعدها نخرج إلى "الفورة" للمشي على دفعات لأن المساحة لا تكفي لجميع أسرى القسم لمدة ساعة ثم نعود للداخل".

قبر متنقل

عبر طرف سماعة "الهاتف" الأخرى، يتوقف عند العربة أو إن شئت فسمه" القبر المتنقل" لأي أسير، قائلا: "لا يمكن لأي أسير نسيان البوسطة (حافلة لنقل الأسرى من السجن للمحكمة) مزودة بكل أدوات العذاب، لا ترى الخارج، تقيد على كرسي حديدي من قدميك ويديك، تسير لثماني ساعات حتى تصل جلسة محاكمة مدتها خمس دقائق، وتعود بنفس المدة، وأحيانا تستغرق الرحلة ثلاثة أيام، يشغلون أجهزة التبريد في الشتاء لخفض درجة حرارتها، والتسخين في الصيف".

ينتقي موقفًا من أيام الأسر: "عام 2013، في سجن "إيشيل" ببئر السبع، في أجواء باردة، كنا ننادي على السجانين لمعالجة الأسير ميسرة أبو حمدية، لكن دون جدوى، حتى خرج من عندنا بعد ذلك بوضع صحي صعب كان يمكن تداركه، وأعلن عن استشهاده بعد فترة (..) أول ما دخلت السجن كان الأسرى يعانون والآن هم يعانون، العام الماضي اقتحمت ثلاثة وحدة عسكرية السجن بوحشة بعدما اعترض الأسرى على تركيب أجهزة التشويش معظم الأسرى تعرضوا للضرب".