ثمة فرصة جيدة أمام المسلمين وقد جلسوا في بيوتهم خوفا من مرض كورونا لأن يراجعوا أنفسهم، فيما أحسنوا، وفيما قصروا، وأن يقوموا بعملية استدراك عاجلة . يجدر بكل مسلم أن ينظر لجائحة كورونا على أنها فتنة. والفتنة ليست مذمومة في ذاتها، بل نتائجها هي التي تقرر ذمها، أو مدحها. من نجح في امتحان الفتنة فقد فاز، ومن خسر فيها فهو في خسران مبين.
نحن نود أن ننظر لما أصاب العالم من زاوية إيمانية، فالله جل في علاه تعبد الخلق بأمرين: أحدهما (افعل)، والثاني (لا تفعل). ورحمهم بالربوبية التي هي عطاء دائم واسع، يأخذ منه المؤمن والكافر كل بحسب اجتهاده في الحياة. الربوبية تربية، ورحمة، ورزق، وتسخير المسخرات لخدمة الإنسان، فالحيون والشجر والحجر كل ذلك في خدمته.
وقد صنف العلماء آيات الله الدالة عليه، وعلى منهجه، المنظم للعبادة، والمحقق للعبودية بالطاعة في ثلاثة أصناف كبيرة هي: آيات الكون العظيمة؛ كالسماء والأرض، والجبال والأشجار، والأنهار والبحار، وما شاكلها. والصنف الثاني الآيات المعجزة؛ كعصا موسى، وولادة عيسى بلا أب، وإحيائه الموتى، وإبرائه الأكمه والأبرص، ونبع الماء من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماعه تسبيح الحصى بيديه، والإسراء والمعراج، وغير ذلك. والصنف الثالث آيات المنهج؛ أعني القرآن الكريم، المعجزة الباقية إلى قيام الساعة.
هذه الآيات الثلاث ليست عبثا، أو فلسفة بلاغية، إنها آيات دالة على عظمة الله، وأنه وحده المستحق بالعبادة والطاعة، وأن من ثلث كفر، ومن قال اتخذ ولدا فقد كفر، ومن خالف منهج القرآن فله أحكام عدة قررها الفقهاء. وأنا هنا أنظر إلى العالم كوحدة واحدة في القارات، وأزن قربهم وبعدهم عن قضية الألوهية (افعل، ولا تفعل) فأجدهم قد ابتعدوا كثيرا عن مراد الله، في ظل حضارة علمية متقدمة، أخذتهم من مسبب الأسباب، إلى الأسباب نفسها، فنسوا المسبب وتعلقوا بالأسباب، وتمادوا في ذلك الأعرض، فأراد صاحب الأمر أن يقرص آذانهم قرصا خفيفا بفيروس كورونا، عسى أن يلتفتوا إلى آيات الله العظيمة ويعودا إلى ربهم، رب أسبابهم، ويقلعوا بعض الإقلاع عن إغضابه، ويطلبوا رحمته.
هل أغضب العالم بشكل عام خالقهم؟ وهل أغضب المسلمون خالقهم؟ أقول بما قال من سبقني: من أغضب الجبار حتى رفع صلاة الجماعة، وأغلق الحرمين في مكة والمدينة، وأغلق المساجد في البلاد؟! ثمة من أغضب الله، لا شك في ذلك، وهذا استوجب تدخل الرحيم التواب بفيروس يذكّر به الإنسان ليتوب ويعود. إن ما يجري في العالم هو رحمة، وتذكير، فهل من مدكر؟
منذ يومين ارتفع الدولار إلى (٣٨٠) شيكلا، فرفع التجار الأسعار، ثم عاد الدولار في غزة إلى (٣٦٠) شيكلا، ولم يرجع التجار الأسعار التي رفعوها. وهذا الغبن يحدث في زمن كورونا، وفي ظل دعوات الداعين برفع البلاء! كيف يحدث هذا؟! إن رحمة الله تنزل بنا إذا تراحمنا أولا.
"هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا تنفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون".