"أؤمنُ عن يقين أنّ سعادتنا تبدأ داخلنا، وأنها في العطاء ربما تفوقُ فيما يعطيه لنا الآخرون، وأن الإخلاص أكبر بكثير من إبهار الخيانة، وينبغي ألا نندم على حبٍّ أو إحساس عشناهُ يومًا بكل الصدق، فسوفَ تكشفُ لنا الأيامُ أن ما بقي داخلنا من مشاعر الحب كان أجمل وأبقى مما في أعماقِ إنسانٍ تخلّى عنا أو غدرَ بنا، لأن الذي يصنعُ الفضيلة لا يندمُ عليها، والذي يرسمُ خطوطَ الجمال لا يعنيه أبدًا أن يرسم غيره أشكالَ القبح".
ما سبق هو رأي الشاعر فاروق جويدة في السعادة التي هي كما أي شيء آخر اختلفنا حول تعريفها، ماهيتها، مصادرها، طرق استقرارها واستمرارها واستثمارها، فبعضنا ظنها في الأموال، فقضى عمره يجمعها، ثم اكتشف أنّه كان يلهث خلف سراب، ومنا اعتقدها في البنيان فرفع بنيانه، لكنه اكتشف لاحقاً أنه بنى بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ، وغيرهم ربطوها بالبنات والبنين، فأنجبوا دزينة من البنين والبنات، ثم تأكدوا أن " العدد في الليمون".
إن المال والبنين والبنيان من مصادر سعادة الانسان طالما توافقت مع مقاصد الشريعة، لكنها ليست هي المصادر الاساسية للسعادة، فالسعادة هي أن تكون لله كما أراد.
يأتي اليوم العالمي للسعادة والعالم ليس بخير، حيث ( كورونا) الضيف الثقيل الذي سرق الكثير من وقتنا وطاقتنا ومالنا ، يختبئ بيننا دون أن نراه ،لكنه أرعب كبار القوم وصغارهم، قتل منهم وأصاب، غيّر خطط دولٍ بأكملها، أغلق مطارات وموانئ وحدودًا وأسواقًا وكنائس ومساجد وأديرة وصالات أفراح، قيّد الحرية إلى أبعد حدٍّ، وحوّل مدننا التي لا تعرف النوم من كثرة العمل لمدن لا تعرف النوم من كثرة الخوف ، فسبحان الله.
انتهيت قبل أيام من قراءة كتاب " قواعد السعادة السبعون" للدكتورة "داليا الشيسي" وهو خلاصة تجربتها كطبيبة نفسية ،كل قاعدة تشرح مناسبتها من خلال قصص واقعية بأسلوب جميل سهل، سأذكر منها القليل وأرجو ألا يُفهم اني أروِّج للكتاب، وحتى لو كان كذلك، أليس الدال على الخير كفاعله؟ بلى، ومن القواعد :
لا ترجع لمكان حادثتك، ولا تنتظر عطر الورد من شجرة الصبار، ولا تعطِ تذكرة مدى الحياة لمن لا يستحق إلا محطة واحدة، ولا تأخذ ورقة امتحانات غيرك، ولا ترتبط بشيء قد لا تملكه يوما ما، ولا تسعَ للحصول على رضا ومحبة كل الناس، ولا تلوم كثيراً، ولا قاعدة ثابتة لتحقيق أي شيء.
أختم بنصيحة وردت في القاعدة الثلاثين "ساعد غيرك كلما استطعت نجاحا عن بعد": (ساعدوا الآخرين، انجحوا كل يوم مع كل شخص تساعدونه، ابنوا أبنية من بشر وصروح من نجاحات الغير، فقيمتك فيما وضعته على الأرض وأنبت، فاجعل بعض بذورك تنبت في أراضٍ أخرى تمر عليها يوماً ما، فتجد فيها زرعة باسمك تسعدك، وتمنح طريقك نوراً ولو خفت نورك أنت، لأنك أنرت حياة إنسان آخر"، وتذكر "عزيزي القارئ" أن من يعيش لنفسه قد يعيش سعيداً، لكنه يعيش وحيداً ويموت وحيداً.
وقبل الوداع وبمناسبة يوم الأم: كل عام وكل أمهاتنا بخير، اسأل الله أن يرحم الأموات منهن، ويسكنهن فسيح جناته، وأن يزرق الأحياء منهن الصحة والعافية.