في ظلّ مرور الناس بأزمات قد تقلل من الموارد الغذائية المتاحة لا بدّ من استنفار الإرادة لترشيد الاستهلاك وهو خلق طيّب له انعكاسات مهمة وعظيمة في حياة الناس.
وكي أصل إلى العلاقة بين إرادة الإنسان وقدراته على ترشيد استهلاكه، أجريت هذا الحوار مع الأسير الفلسطيني المحرّر فلاح:
- قبل أوّل إضراب مفتوح عن الطعام خضته في السجون الإسرائيلية، كيف كنت تتصور هذا الاضراب؟
فلاح: كنت أتخيّل أنه يشبه الصيام في شهر رمضان، نمتنع عن الطعام والشراب نهارا ونأكل ليلا، ولم أكن أتصوّر أن موعد الإفطار في اليوم الاوّل سيمرّ دون طعام ثم أستمر طيلة الليل وأصبح دون أكل لأواصل كرّ الأيام ومواصلة الليل والنهار دونما أيّ طعام، عندئذ تخيّلت الامر صعبا ومرعبا وأنه فوق طاقة الانسان.
- ماذا بعد أن خضت التجربة؟
فلاح: أدركت أن الانسان يمتلك في داخله قدرات على الصبر والتحمل غير مكتشفة، فإذا خاض تجربة قاسية كهذه اكتشف هذه القدرات، الانسان لديه قدرات عالية على تحمّل أكثر مما يتصوّر.
- ما الذي يدفعه للصبر وتجاوز التجربة بنجاح؟
فلاح: لدينا فلسطينيا تجارب في الاضراب الجماعي والفردي ما حقّق قدرات غير مسبوقة عالميا فقد أضرب الاسرى ما يقارب الشهرين اضرابا متواصلا دون توقف بينما الإضرابات الفردية بلغت عنان السماء, خضر عدنان 66 يوما ومحمد القيق 90 يوما وأضربت عطاف عليان 40 يوما وهناء شلبي 44 يوما على سبيل المثال ، ودوافع هذا الصبر الإرادة التي تستمدّ قوّتها من ايمان هذا الانسان بحقه ووجود التحدّي لعدوّ لا يرحم . وكذلك اعتياده على تجاوز المحن والشدائد كما قال صلى الله عليه وسلّم: "تخوشنوا فإن النعم لا تدوم"، وكذلك فإننا نجد في صيام شهر رمضان تدريبا عمليا لهذه الإرادة حتى تصبح قوية وقادرة على تحقيق الانتصار وتجاوز شدائد هذه الحياة بنجاح وقوّة معنوية عالية.
وكذلك أدركنا أننا في عاداتنا الغذائية الخاطئة نأكل أضعاف حاجة الجسم الطبيعية وكلها تثقل الصحة وتضرّ بها، أدركنا عندها لماذا قال صلى الله عليه وسلّم: "حسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده وان كان ولا بدّ فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".
- في حالة قلّة الموارد الغذائية أو ضعف القدرة الشرائية، كيف نستفيد من هذه التجربة؟
فلاح: لا بدّ من تفعيل أمرين: الإرادة والمعرفة، يقينا أثبتت لنا التجربة أن الانسان يستطيع أن يختصر كثيرا مما يأكل وهذا خير لصحته وأوفر لجيبته، لنبدأ مثلا بتطبيق الحديث السابق كخطوة عملية: نكتفي بالثلث فنحقق التخلّص من السمنة، الامر يتطلّب المعرفة والتفكير مليّا في الإجابة على سؤال لماذا نأكل؟ لتحقيق الفائدة أم المتعة وإن قلّت الفائدة، الزيادة في الاكل زيادة في المتعة وضرب للفائدة، هذه معادلة لا بدّ من معرفتها جيّدا، ولا بدّ من اهتبال الفرصة الحالية للوصول الى هذه العادات النبوية الإيجابية في الاستهلاك والتعامل مع الغذاء.
- اذاً الثلث يكفي، وماذا عن الإسراف؟ كما قال تعالى "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
فلاح: الاسراف طامّة كبرى ونوع من الانانيّة خاصة في وقت الشدائد، الأصل أن الشدائد تدفعنا للمزيد من التكافل والتعاون وأن ينظر الغنيّ للفقير، وفي هذا علينا ان نحاول تطبيق الحديث الشريف: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
لنجرب أولا بتطبيق "وثلث لطعامه" التي ستنعكس على صحتنا بشكل كبير، أهمها التخلص من السمنة وكل ما يثقل على صحتنا واستبدال العادات السلبية بعادات إيجابية تنتج صحة وقوة ورشاقة ووفرة غذائية للجميع.