صعوباتٌ كثيرة تمس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ذات الاختصار اللغوي (الأونروا)، وذلك في ظل تقديمها الدعم الطبي والإنساني والإغاثي لما يزيد على خمسة ملايين لاجئ فلسطيني داخل الأراضي المحتلة، ومخيمات الشتات في سوريا ولبنان والأردن.
الولايات المتحدة الأمريكية كانت سبّاقة إلى فرض عقوباتها الاقتصادية على الأونروا، وذلك من خلال وقف الدعم المالي الممنوح إليها، وعلى ذات الخطوة سارت بعض الدول الأوروبية مؤخراً، إذ علّقت سويسرا مساهمتها السنوية للأونروا بذريعة وجود شكاوى فساد طالت مسؤولين كبار في الصف الأول للوكالة، ثم بادرت هولندا أيضاً إلى اتخاذ خطوة مماثلة لسويسرا، لكنها عادت وتراجعت عن قرارها وقررت استئناف تقديم المنح للأونروا.
لماذا تُستهدَف وكالة الأونروا اقتصادياً، وما هي الذرائع المطروحة على الطاولة؟
أوّلاً: يمكن القول إنّ الدعم المالي هو الركيزة الأساسية للوكالة، طالما تركّزت مهمتها ومنذ نشأتها الأولى على تقديم كافة أشكال الدعم للّاجئين الفلسطينيين، وعندما تُستهدَف هذه الركيزة فإنّ الخطر يداهم وبشكل عاجل صميم الأونروا، بل ويعرقل برنامجها العالمي أيضاً، وبالتالي يصبح اللاجئون الفلسطينيون في قائمة الاستهداف باعتبارهم المستفيد الوحيد من أموال هذه الوكالة.
ولعلّ الأسباب التي طرحتها الولايات المتحدة إبانَ وقفِها لدعم الأونروا هي خير دليل على صحة هذا القول، إذ قالت الإدارة الأمريكية آنذاك إنّ وجود الأونروا يُطِيل وجود مشكلة اللاجئين، ويهدد الأمن الإسرائيلي، لكنّ الإدارة الأمريكية لم تسلّط الضوء على أنه وفي حال أعِيدَ اللاجئون إلى وطنهم فلن تكون هناك أيّةَ دواعٍ لبقاء الأونروا، وسيكون اللاجئون وقتها في طليعة المُطالِبين بحلّ الأونروا لانتهاء دورها، لأن الهدف من إنشائها وبحسب ميثاق الأمم المتحدة هو دعم اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم إلى ديارهم. وبهذا تكون الولايات المتحدة في وارد الاستهداف المباشر لحق العودة ولحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وتأبى إلا أن تلاحق اللاجئ في أزقة مخيّمه، فتنزع من تحت قدميه بساط الدعم الإنساني ليجد نفسه مضطراً للبحث عن البدائل بعيداً عن حق العودة.
ثانياً: إنّ هذا الاستهداف المُمنهَج لوكالة الأونروا من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية يعود أيضاً لكون الأونروا الشاهد الدولي الأخير على نكبة الفلسطيني، فإذا ذُكِرَت الأونروا ذُكِرَت معها أزقة المخيمات والشوارع الضيّقة، ومآسي اللجوء، والطفولة المشردة، وقلة فرص العمل، والحرمان من حق العمل والسفر والانتخاب، والحصول على أدنى مقومات الحياة. فالأونروا حاضرة في ذاكرة اللاجئ الفلسطيني حيثما حلّ وارتحل وتذكّره دوماً بوطنه السليب، وتعود به إلى الوراء عندما أُخرِجَ من أرضه بغير حق بفعل آلة العدوان الإسرائيلية التي ما انفكت يوماً وهي تمارس كافة أصناف القتل والتهجير القسري والاعتقال والتمييز العنصري، وبالتالي سوف يفقد الفلسطيني في حال فُقِدت الأونروا ذاكرته التي تغصّ بمعاناته من ويلات دولة الاحتلال، وصولاً إلى الهدف الأهم والأشمل، ألَا وهو شطب حق العودة المقدس، وذلك بعد فشل المساعي الإسرائيلية والأمريكية لتمرير صفقة القرن التي أجمع الشعب الفلسطيني على رفضها بمختلف فصائله وتوجّهاته السياسية والعقائدية.
ما هي الأوراق التي يحوزها اللاجئ الفلسطيني لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على الأونروا؟
بعد دخول بعض الدول الأوروبية على خط العقوبات الاقتصادية المفروضة على وكالة الأونروا، استشعر اللاجئون الفلسطينيون بحجم الخطر المحدق، وراحوا يطالبون بالفم الملآن بضرورة وقف هذه العقوبات وعدم دخولها حيّز التنفيذ، لا سيما فلسطينيّي أوروبا الذين يعيشون في بعض الدول الشريكة بالعقوبات المفروضة على الأونروا، ففي الثلاثين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، عُقِد في العاصمة البريطانية لندن مؤتمر حول هذا الأمر بإشراف مركز العودة الفلسطيني ومركز الجزيرة للدراسات، وجامعة إكستر البريطانية وبحضور السفير الفلسطيني لدى المملكة المتحدة حسام زملط، حيث تم خلال هذا المؤتمر تسليط الضوء على ما تتعرض له الأونروا من ضغوط تستهدف ركيزتها الاقتصادية، ثم تلاه بعد ذلك مؤتمر مهمّ للغاية في العاصمة الألمانية برلين تحت عنوان "فلسطينيو أوروبا والأونروا" وذلك بمشاركة طيف واسع من الأكاديميين الفلسطينيين والعرب والأوروبيين الذين أكدوا على دعمهم المطلق لوكالة الأونروا، وصولاً إلى جملة من التوصيات والمقترحات الداعمة للوكالة.
ولعل هذا المؤتمر وصل إلى ذروة النجاح حتى قبل انعقاده، إذ تناولته بعض الصحف الألمانية المقربة من الليكود الإسرائيلي وقدّمته على أنه مؤتمر يستهدف الأمن الإسرائيلي، ووضعت عنواناً عريضاً للقُرّاء: "حماس في برلين"، في محاولة منها لإلغائه وتعطيله والتشويش عليه، كما هاجمه أيضاً السفير الإسرائيلي لدى ألمانيا، من خلال بعض التصريحات العدائية وإرسال بعض المناصرين لدولة الاحتلال إلى أمام قاعة المؤتمر للتشويش والتحريض، لكنّ الشرطة الألمانية رفضت إلغاء المؤتمر الذي انعقد رغم كل هذه التحديات والصعوبات.
أوراقٌ قليلة ربما، كانت بحوزة اللاجئ الفلسطيني للتعبير عن رفضه استهداف الأونروا التي تمثل ماضيه وحاضره، لكنّ هذه الأوراق القليلة كانت مؤثرة إلى حدّ بعيد، لدرجة أنها أقلقت دولة الاحتلال وسفراءها ومُناصريها.
ولعل في الخطوة الهولندية الأخيرة المتعلقة باستئناف تقديم الدعم المالي للأونروا بارقة أمل لدى اللاجئ الفلسطيني الذي سيبقى متمسكاً بحق العودة إلى فلسطين وفق القرارات الدولية.