فلسطين أون لاين

​الشهيد أبو غازي.. بكاه مخيم العروب بجنازة شارك فيها الصغير والكبير

...
الخليل / غزة - يحيى اليعقوبي

كعادته انطلق بعد أن تناول فطور صباح يوم الجمعة الماضي، لقضاء حاجياته وتفقد جنبات مخيم العروب شمال مدينة الخليل بالضفة الغربية، الذي لطالما جاب شوارعه وأزقته وترك بصمة محبة في قلوب الكثيرين من الصغار والكبار.

السابع عشر من مارس/ آذار 2017 تاريخٌ سيبقى يذكره ويردده أهالي المخيم، الذي نسجت فيه قصةٌ مزجت بين الشجاعة والظلم في ذات الوقت كان بطلها الفتى مراد يوسف أبو غازي ( 17 عاما).

البداية، يومٌ سعيد بدأه مراد، حسبما يروي لنا عمه حسن أبو غازي ( 60 عاما) التفاصيل، فالمخيم الذي يشتهر بترابطه الاجتماعي في الأفراح والأحزان، كانت تسوده أجواءٌ فرحة باستقبال الأسير المحرر إسماعيل الفراجين الذي أمضى 13 عاما في سجون الاحتلال.

شارك مراد بمراسم الاحتفال باستقبال الأسير، وكان يستعد الفتى صاحب "الواجب الاجتماعي"، للمشاركة في فرحٍ لقريبته من ذات العائلة، يبتسم للجميع ويمازح الآخرين ولا يبدو عليه أي بوادر أخرى، كذلك لم يكن هناك مواجهات بمخيم العروب.

وبين تلك المناسبتين يُكمل عمه الحديث، بأن ابن أخيه عادَ إلى بيته وألقى تحية الإسلام على والدته، وأشعرها بعودته، ومن ثم غادر برفقة مجموعة من الشبان بينهم صديقه الفتى سيف سليم رشدي 16 عاما.

وصل الشبان في مساء يوم الجمعة إلى نقطةٍ عسكرية تابعة للاحتلال الإسرائيلي على مدخل مخيم العروب، لإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف الحارقة على تلك النقطة حسب ما اتهمهم الاحتلال.

لكن قوة من الجيش الإسرائيلي نصبت كميناً لكل من يلقي الحجارة من المخيم، فعندما اقترب هؤلاء الشبان من النقطة العسكرية، وعلى بُعد مترين من الشباب أطلقَ قناصة الاحتلال المتواجدون بمكان الكمين رصاصاتهم الحية والمُباشرة تجاه الشبان.

سقط مراد أرضاً وارتقى شهيداً على الفور، وترك ينزف حتى فارق الحياة، فتى في ربيع السابعة عشر عاما اختلطت دماؤه بتراب المخيم الذي عاش وترعرع ومات فيه، ثلاث رصاصات متعددة اخترقت جسده الصغير واحدة بالقلب وأخرى بالصدر وواحدة بإحدى الرئتين.

أما صديقه سيف رشدي فأصيب بطلقتين إحداهما اخترقت الرئة والأخرى اخترقت كليته، وما زال يتلقى العلاج بالمستشفى الأهلي بالخليل الذي احتضن الاثنين.

"أسد المولوتوف".. لقبٌ أُطلق على مُراد بعد استشهاده، لكن ما حدث بعد ذلك كان شيئاً لم يعهده المخيم، يواصل عمه: "لم يخرج في تاريخ الخليل موكب تشييعٍ مثل موكب مراد، الذي جاب جنبات وشوارع المخيم (..) كبار وصغار يذكرون مواقف الشهيد مراد بالتضحية والمحبة يبكونه بحرقة سواء بمنزل عائلته أو بالمستشفى ".

"ادعولي أموت زي مراد".. هذا ما قاله صديق للشهيد كان في المستشفى؛ وبدأ يطلب من الجميع أن يأمنَّوا معه أثناء دعائه لصديقه، ويناجيه بألطف الكلمات.

ويواصل العم بحزن يمازجه الفخر: تفاجآنا بنبأ استشهاده الساعة الثامنة مساءً، تفاجأنا أيضاً بمسيرات مشرفة من مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بالمخيم للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية للجنسين البنات والبنين جاؤوا إلى منزلنا ورددوا هتافات لمراد وعائلته.

احتسى عم الشهيد جرعة من الصمت بين خضم الألم وعاد ليواصل الحديث عن حكاية هذه العائلة مع جيش الاحتلال التي بدأت عام 2014؛ حينها قامت سلطات الاحتلال بهدم منزله ومنزل ابنته دون إشعار.

الشهيد مراد اعتقلته سلطات الاحتلال قبل سبعة أشهر لمدة ثلاثة شهور بتهمة إلقاء الحجارة تجاه جنود الاحتلال، ووالده مريض (أصم).

عادت الأحزان لتفترش ذاكرته مرة أخرى، بأن مراد صاحب أخلاق عالية، لا يزعج الآخرين ولا يتسبب بمشاكل مع الناس، هادئ الطبع لا يتردد بالمساعدة، وشجاعٌ في ذات الوقت.

ويختتم الحديث: "الجميع متأثر بوضع مراد لا سيما وأنه شابٌ صغير وله بصمةٌ في قلوب الكثيرين ".