هب أنه في دولة كبيرة مثل الصين قد اجتاح أبناءها من خلال شبكة النت الموجودة لديهم سيول من المؤثرات التي تحدث توجهات وانعكاسات نفسية لا تتوافق مع فلسفة هذا البلد وهويته الثقافية، وقد استشعر الخبراء التربويون والنفسيون لهذا البلد حجم الخطر، وأنه بهذا سيتحوّل انتماء أبنائهم الى حيث هوية من يتحكم بهذه الشبكة ويسخرها الى حيث يريد.
وبدأت هذه الدولة نشاطها المضاد، البحث بجديّة متناهية عن الحالات التي أصبحت ناقلة لهذه المؤثرات وأصبحت فاعلة وناشطة تلقائيا وسخرت كل طاقاتها في خدمة هذه الثقافة الجديدة للبلد. وفتحت أماكن للمتأثرين ومن أصبحت لديهم قابلية للتأثر ممن احتكّوا بالعناصر المصابة، وأخذت تنشط في مجال بث الوعي وتعزيز هوية البلد الثقافية وروح الانتماء لها حتى أصبحت على شفى تحقيق نجاحات جوهرية والانتصار على هذا الخطر الداهم.
من أخطر يا ترى فيروس كورونا أم هذه؟ فيروس كرونا يجتاح الجسم وهذه تجتاح العقل والفؤاد. كورونا سريع الانتشار وهذه أيضا سريعة، كورونا خطير الأثر وخطره على المسنين أكثر من غيرهم، هذه أيضا مخاطرها عظيمة ولكنها على الأطفال والشباب خطرها أشدّ.
نحن اليوم في بلاد العرب والإسلام نتعرض إلى مؤثرات عبر شبكة تصل الى الجميع صغارا وكبارا، وهي أشد وأخطر من الغزو الثقافي الذي تعرضنا له القرن الماضي، الغزو الثقافي استهدف العقول وكان مقدمة للاستعمار والاحتلال العسكري ثم أصبح فيما بعد طريقا للسيطرة على الاقتصاد والاسواق والاذواق الشرائية لسلع الاستعمار ذاته، فقد كان اهم اهداف هذا الغزو الثقافي والعسكري هو السيطرة على الاسواق وهذا ما يجري الآن دونما الحاجة الى الاستعمار العسكري. الان غزوة شبكة النت الكبرى تحقق كل هذا بل تصنع الرأي العام وتوجهه الى حيث تريد من أهداف وتوجهات نفسية وسلوكية.
في غزوة النت الكبرى وما سبقها من غزوة الثقافة الصغرى نجح الاعداء في صناعة من ينوب عنهم فيتحرك تلقائيا وبحرية واسعة ووفق ما زرعوا في عقله من قناعات استشراقية تخدم هويات ثقافية تنقض ثقافة البلد الوطنية من أساسها، هؤلاء يعملون ليل نهار دون أن يحجرهم أحد كالمصاب بالكورونا ، بل بالعكس تماما تُعطى له كل المحفّزات والمشجّعات. ويضخّ المال في عروقهم ويسمح لهم بفتح المؤسسات الثقافية والاعلامية وكل ما من شأنه أن يعزّز المؤثرات النفسية، ويمتلك بذلك الادوات ويمتطي صهوة الاساليب الحديثة فينتشر أفقيا وعاموديا مدعما بكل ما هو مشوّق وجذّاب تهوى اليه الافئدة والعقول وتتمتع به النفوس. وهذا ما أصبحنا نراه هذه الايام ترى الناس عاكفة على شاشات تُحمل باليد، عليها ما لذّ وطاب ولا يكاد يقاوم.
الناس عندنا تنادوا لمقاومة وصدّ هجوم كورونا اللعين ولكنهم بقوا صامتين صمت القبور تجاه فيروسات النت التي تجعل من أطفالنا وشبابنا تبعا لثقافة الاخرين وتصبغهم صبغة شاملة بتلك الثقافة وهم مستمتعون، وغنيّ عن القول إن هذا لا يحدث في يومين أو ثلاثة وانما هو فعل تراكمي طويل ولكن حصادهم عظيم.
أرى أنه لا بد من مدارسة الامر وكما تم الحذر والوقوف في وجه هذا الفيروس فلا أقل من مدارسة سبل الوقاية؟ وكما لا بدّ من المنافسة في المنتج المؤثر الذي يحمل ثقافتنا ولا بدّ أن يكون قويّا جذابا ممتعا كي يكون على قدر المنافسة ، خطر غزوة النت الكبرى ليس أقلّ خطرا من فيروس كورونا ، فموت الروح والفؤاد أشدّ خطرا من موت الاجساد.