يشير تقرير المرصد الأورومتوسطي صدر مع نهايات العام المنصرم، من خلال الإحصاءات الأحدث للواقع الإنساني في غزة، إلى تضاعف نسب ومؤشرات الأزمة الإنسانية "بشكل صادم" على مدى سنوات الحصار، فمعدلات البطالة وصلت إلى 52% بين السكان، بعدما كانت تبلغ نحو 23.6% عام 2005، لتكون من بين أعلى معدلات البطالة في العالم بسبب إغلاق عشرات الشركات والمنشآت والمؤسسات، كذلك يتناول "حجم الفقر الذي ضرب أكثر من نصف السكان، بنسبة 54%، مقارنة بنحو 40% عام 2005، ليبقى أعلى بمرتين ونصف منه في الضفة الغربية، فيما وصلت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى نحو 71%".
كما يشير التقرير إلى الواقع الاقتصادي لغزة، حيث "تراجعت مساهمة قطاع غزة في إجمالي الناتج المحلي نهاية عام 2019 إلى أقل من 20% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني، فيما انخفض معدل دخل الفرد الواحد في غزة إلى 800 دولار أمريكي سنويًا، مقارنة بمعدل 3,600 دولار في مجمل الأراضي الفلسطينية".
ويسهب التقرير في رصده للأوضاع في القطاع بالإشارة إلى أن "السلطات الإسرائيلية عملت على ترسيخ سياسة عزل قطاع غزة، من خلال فصله عن الضفة الغربية فيما سمي بسياسة الفصل، موضحًا أن الحق في حرية الحركة يعد أحد أوضح المؤشرات على أثر الحصار على تقليص الحريات وخنق الحياة في القطاع"، مضيفاً بأن "من سبعة معابر تجارية ومخصصة لحركة الأفراد قبل فرض الحصار الإسرائيلي، انخفض العدد إلى ثلاثة فقط، اثنان منها مع إسرائيل وواحد مع مصر، الأمر الذي أدى إلى تقليص أعداد المسافرين وشاحنات البضائع والمساعدات إلى أكثر من النصف. على سبيل المثال، بلغ معدل حالات العبور عبر معبر "إيرز " بيت حانون شهريًا نحو 65,000 حالة قبل فرض الحصار الإسرائيلي، لينخفض ذلك إلى أقل من الربع خلال عام 2019، ويصل إلى نحو 14,000 حالة شهريًا فقط".
أما واقع القطاع الصحي، الأكثر تضرراً وتأثراً بالحصار، وبالتالي الأكثر تأثيراً على تردي الوضع الإنساني في غزة، يرصد التقرير "ارتفاع نسبة العجز في الأدوية إلى نحو 52% مع بداية عام 2020، مقارنة بما يقارب 16% فقط خلال عام 2005"، ليخلص إلى أن القطاع الصحي بات "عاجزاً عن تقديم العلاج والرعاية الصحية للغالبية العظمى من السكان، في الوقت الذي تصل فيه فترات الانتظار للخضوع للعديد من العمليات الجراحية إلى نحو 16 شهرًا، مقارنة بثلاثة أشهر فقط عام 2005".
وفي جانب آخر من مساحة الوطن الذي يعيش وجعاً مزمناً، تعيش الضفة الغربية حالة استلاب للأرض والإنسان في وضح النهار، ففي العام 2019 توسع الاستيطان الصهيوني بنسبة 70% عن العام الذي سبقه، وزادت عدد الحواجز الأمنية الإسرائيلية في الضفة 38 حاجزاً إضافياً عنها في العام الذي سبقه، ليصبح عددها الإجمالي 888 حاجزاً، "بحسب مركز أبحاث الأراضي"، ممعنةً بذلك في تقطيع أوصال المدن الفلسطينية، والتلذذ بتعمد إهانة الإنسان الفلسطيني والتنكيل به.
ومن المعطيات الصادمة في تقرير "مركز أبحاث الأراضي" ما يفيد بأن "نسبة السيطرة على أراضي الضفة الغربية هي دونم للفلسطينيين مقابل دونم للمستوطنين، وهذه المساواة في ملكية أرض الضفة الغربية مؤشر على فقدان الأرض عملياً، والأخطر يتمثل في سيطرة اليهود على 7.5 دونمات في القدس مقابل دونم واحد للفلسطينيين".
ومما أورده المركز من حقائق، يسلط من خلالها على أرقام تؤكد حجم الإجرام الصهيوني بحق أبناء الضفة الغربية، فقد "هدمت سلطات الاحتلال 648 مسكناً ومنشأة فلسطينية في الضفة الغربية عام 2019، وصادرت حوالي 68 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، ودمرت حوالي 3553 دونماً أخرى، واعتدت على 15.670معظمها أشجار زيتون، وجرى إنشاء 6 بؤر استيطانية جديدة، كما صدّقت حكومة الاحتلال على 40 مخططاً استيطانياً، وأعلنت عن إيداع 26 مخططاً آخر من أجل توسيع 47 مستوطنة".
ومن جرائم استلاب الأرض إلى الجرائم بحق الإنسان، فقد أزهقت آلة القتل الإسرائيلية أرواح 37 شهيداً في الضفة الغربية، أما فيما يتعلق بأعداد المعتقلين، فقد اعتقلت سلطات الاحتلال حوالي 5000 فلسطيني في عام 2019، معظمهم من الضفة الغربية، بمعدل 14 معتقلاً كل ليلة اقتحام لمدن الضفة الغربية ومخيماتها وقراها.
ويمتد الوجع الفلسطيني إلى القدس المحتلة، والتي يشهد فيها الإنسان والأرض والمقدسات، صنوفاً متنوعة من الانتهاكات، فالأرقام تشير إلى "اقتحام 31 ألف يهودي متطرف للمسجد الأقصى في 2019، في حين بلغ عدد المقتحمين للمسجد الأقصى قبل عشر سنوات ستة آلاف مقتحم فقط"، بينما تصاعدت عمليات هدم المنازل والمنشآت وتشريد السكان في عام 2019، فقد "بلغ عدد المنشآت التي هدمها الاحتلال خلال العام المنصرم 279، منها 100 وحدة سكنية في حي وادي الحمص بالمدينة في أكبر عملية تشريد جماعي منذ الاحتلال العام 1967، وطالت عملية التشريد 700 مواطن".
وفي سياقات الاعتداء على الأماكن المقدسة، فقد صعّدت قوات الاحتلال من اعتدائها على المسجد الأقصى المبارك، و"نفذ المستوطنون 293 اقتحاما لساحات المسجد الأقصى أي بمعدل اقتحام يومي، منها اقتحامات جماعية في المناسبات الدينية اليهودية، وأبعدت سلطات الاحتلال أكثر من 247 مواطنا عن المسجد الأقصى، ومنعت دخولهم لساحاته، ولا تزال تجدّد قرارات المنع والإبعاد للعشرات، بدعوى الرباط في ساحات الأقصى أو التصدي لاقتحامات المستوطنين".
وللمسجد الإبراهيمي في الخليل نصيبه من الانتهاكات، حيث أظهرت إحصائية أن العام المنصرم شهد أضخم عملية اقتحام للمسجد منذ احتلال المدينة عام 67، بمعدل 1,456,953 مستوطنا وسائحا، وهو ارتفاع هائل بنسبة 90.6% مقارنة بالعام الذي سبقه 2018، ورقم قياسي جديد في موجة الاقتحامات للمسجد.