مما لا شك فيه أن التهويل في حجم حدث ما قد يدخل في إطار الحرب النفسية والتأثير على الرأي العام الداخلي وتهديد السلم المجتمعي ويشكل ضغطاً على صانعي القرار والمجتمع بأسره، وهذا لا يعني بالتأكيد التقليل من حجم الأخطار المحتملة ولكن ضرورة العمل الحثيث لاتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة لمواجهة هذه المخاطر بمستوى يرقى لحجم ومدى خطورة الحدث وآثاره.
نعيش اليوم أزمة تفشي مرض كورونا (كوفيد 19) الذي انتشر في العالم كالنار في الهشيم قادماً من مدينة ووهان بالصين، الذي وصل لأكثر من 100 دولة حتى الآن، وأثر على قطاعات واسعة مثل التجارة والاقتصاد والسفر وحركة الطائرات العالمية، وقد تباينت درجة تعاطي المجتمعات مع التدابير المتخذة والإرشادات المتعلقة بطرق الوقاية الصادرة عن الجهات المختصة للحيلولة من انتشار المرض، فالعديد من المجتمعات أدركت حجم الخطورة وامتثلت لإجراءات وإرشادات الجهات المسؤولة، وكعادة بعض البشر لم (تخلُ) هذه الإجراءات والتدابير من الطرافة والفكاهة في كثير من الأحيان.
أصبح هذا المرض يفرض واقعاً حقيقياً على كل البلدان للتعامل معه وفق معايير معينة وحسب مستوى انتشار المرض في كل دولة وعلاقتها مع الدول المجاورة لها خاصة ما يتعلق بالمسافرين والقادمين من دول مصابة بفيروس كورونا.
ما يهمنا في فلسطين أن نكون على قدر المسئولية والاستعداد للتعامل مع المستجدات بما يحفظ سلامة المواطن الفلسطيني قدر المستطاع، وبما يوفر الحماية والوقاية اللازمة لمكونات المجتمع، وفي هذا المقام أعتقد أن التوعية السليمة ونشر الأخبار الصحيحة والتوجيهات الوقائية والمصارحة والمكاشفة مع توحيد مصدر المعلومة والحفاظ على معنويات عالية وتجنب نشر الإشاعات والتهويل والفبركة هي من أهم ما يمكن عمله خلال الفترة الحالية.
وهذا لا ينقص بكل تأكيد من أهمية أخذ الاحتياطات اللازمة وتجهيز الإمكانات البشرية والمادية لمواجهة المرض ويقع على عاتق الحكومة وبالدرجة الأولى وزارة الصحة الدور الأهم في التحضير والاستعداد وتوفير الإمكانات بالتنسيق مع الجهات المختصة الأخرى دون إهمال لدور منظمات المجتمع المدني والشركاء الدوليين وخاصة منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر وغيرها.
بلا شك أن هناك محاولات وتحركات وخططا واستعدادات ولكنها برأيي لم تصل للمستوى المطلوب أمام هذا المرض المتفشي الذي يحتاج لمواجهة فاعلة وحقيقية تتطلب تضافر الجهود بين شطري الوطن، فهناك نقص كبير في مستلزمات الوقاية والتعقيم ومستلزمات الوقاية الشخصية داخل المراكز الصحية، إضافة لعدم تحديد مستشفيات خاصة لعلاج المصابين إن وجد في قطاع غزة، وعدم وضوح إجراءات الحجر الصحي للقادمين لمعبر رفح باستثناء كاميرا الفحص الحراري، كما أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء احترازي على معبر بيت حانون أسوة بمعبر رفح رغم أن مناطق الداخل والضفة الغربية شهدت ظهور حالات مصابة بالفيروس وفق إعلان وزارة الصحة الذي وصل إلى 25 إصابة مؤكدة في بيت لحم وإصابة واحدة في طولكرم، إضافة إلى 60 حالة مشتبها بإصابتها بالفيروس وتخضع للحجر الصحي في بيت لحم وأريحا، وحالات عدة في الحجر الصحي بمعبر رفح.
نثمن التواصل والتعاون المستمر بين وزارة الصحة في الضفة وغزة منذ بداية الأزمة والتي تجلت في عقد مؤتمر صحفي بغزة قبل أيام لشرح خطوات مواجهة المرض مع إرسال بعض المستلزمات الطبية لقطاع غزة، ولكن المطلوب خطة وطنية شاملة تشارك فيها جهات الاختصاص وذوو العلاقة والشركاء المحليون والدوليون تغطي كل الجوانب المطلوبة حتى نتفادى الكارثة المتفشية في العالم، ونحفظ صحة المواطن الفلسطيني.