فلسطين أون لاين

الإسلام وفايروس كورونا.. الاستخدام السيئ للدين

مع بدايات انتشار فايروس كورونا في الصين انتشرت في المقابل الكثير من الأقاويل والفتاوى التي تؤكد أن انتشار الفايروس في الصين إنما هو عقاب إلهي على ما فعله الصينيون بأقلية الإيجور المسلمة، وأن الله سبحانه وتعالى انتقم للإيجور من الصينيين، فأخذ الله الصينيين بذنوبهم فأصبحوا في دارهم جاثمين، ويبدو أنه لم يتبادر إلى الذين روجوا مثل هذه الأقاويل والأفكار والفتاوى أن أقلية الإيجور ما زالت تعيش في الصين، وأن فايروس كورونا لا يفرق في الإصابة بين الصيني المسلم والصيني غير المسلم، وكذلك لم يتبادر لهم أن هذا الفايروس عابر للحدود فتخطى الصين وانتقل إلى معظم دول العالم، ومنها الدول الإسلامية، بل ربما أن من أكثر الدول التي انتشر في الفايروس إيران ومصر، وهما دولتان إسلاميتان، مع الفارق الجوهري في المشكلة أن الصين لديها من الإمكانات العلمية والاقتصادية ما يؤهلها لمكافحة هذا الفيروس، بل ولها تجربة سابقة مع فايروس سارس الذي انتشر فيها قبل أعوام عدة، وتعاملت معه بكل كفاءة واقتدار، ما أدى إلى زوال خطره وعدم انتشاره، وحسب آخر الأخبار فإن انتشار الفايروس بدأ يتقلص في الصين، حتى أن الحكومة الصينية أعلنت عن تفكيك مستشفى أوهان ( بؤرة انتشار المرض) لأن الصين لم تعد بحاجة إليه، علماً أن هذا المشفى هو أكبر مشفى في العالم، وقد تم بناؤه في عشرة أيام فقط، وتبقى المشكلة الآن لدى بلاد المسلمين في كيفية تعاملهم مع هذا الوباء ومع قلة الخبرات العلمية والإمكانات المادية، وهنا لنا أن تتساءل وفقاً لأصحاب نظرية العقاب الإلهي: هل العقاب أصبح هنا للصين أم للعرب والمسلمين؟

ما نريده من طرح ما سبق بيان أن نسبة كل شيء للدين من مرض أو حرب أو كارثة هو أمر يدلل إما على العجز وانتظار العقاب الإلهي ليحل (بأعداء المسلمين أو من يكيد لهم) ويكفي الله المؤمنين مؤونة الهد والاجتهاد، أو عدم فهم صحيح للدين، وإن كنت لست فقيهاً أو مفتياً ولكن ما أعلمه أن الله سبحانه أمرنا بالعمل والأخذ بالأسباب وبذل الوسع في أمور دنيانا .. وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن المبادرة والعمل أولى أولويات المسلم، وذلك من خلال مواقف كثيرة فصلتها السيرة النبوية الشريفة لا يتسع المقال لشرحها، وما أظنه أننا ركنا إلى الراحة والدعة والكسل حتى حلت بنا البلادة، ثم ذهبنا لمداراة عجزنا وقلة حيلتنا وتخلفنا باللجوء إلى نشر مثل هذه الأفكار التي لا تزيد الأمة إلا تراجعاً وتخلفاً عن ركب الأمم.

فإذا كنا فعلاً نحمل همّ أقلية الإيجور لماذا لم تضغط الدول الإسلامية على الصين اقتصاديا وسياسياً ولديها الكثير من وسائل الضغط لتكف يد الصين عن ظلم الإيجور؟ ثم لماذا لم تستحضر مشاكل أكبر وأكثر تعقيداً من مشكلة الإيجور في نظرية العقاب الإلهي؛ مثل مشكلة المسلمين في الهند وما يلحق بهم من ظلم وعدوان في مختلف أقاليمها وإقليم كشمير على وجه الخصوص؟ ولِمَ لم تستحضر مشكلة أقلية الروهنغيا في ميانمار وما حل بهم من مجازر وحرق لقراهم واغتصاب لنسائهم؟ بل لماذا لم تستحضر قضيتنا نحن الفلسطينيين؟ فها نحن نعانى منذ حوالي سبعين عاماً من ظلم الاحتلال وعدوانه، ولم ينزل بالاحتلال ولا بالهنود ولا بميانمار عقاب إلهي يحيق بهم فيجعل عاليهم سافلهم أو تأخذهم الصيحة أو الرجفة أو عذاب يوم الظلة.

والجواب الذي أفهمه أن لله سبحانه وتعالى سننا في كونه، وأنه سبحانه لا يحابي من يحيد عن هذه السنن، فالله سبحانه خلق هذه الأرض وجعلها ذلولاً لعباده، وأمرنا أن نمشي في مناكبها ونسير أغوارها ونسخر ما فيها لخدمة البشرية، ومن يفعل ذلك يجد مقابل عمله تطوراً علمياً ورفاهية اقتصاديةً وقوة عسكرية ، وهذا ما فعله أسلافنا، فسادوا الدنيا وما فيها، وما فعلناه نحن أننا خربنا بيوتنا بأيدينا، فها هي بلاد العرب تشتعل حرباً طاحنة لا تبقي ولا تذر منذ سنوات، قتلنا أنفسنا ودمرنا ديارها وأهلكنا حرثنا ونسلنا واستشرى الظلم بيننا.. ثم ننتظر من الله سبحانه وتعالى أن يخسف بعدونا ثم تتنزل علينا رحمات ربنا رفاهية وعلماً واقتصاداً... كلا وألف كلا، فالله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، لن يعطينا مقابل ظلمنا وعجزنا وقلة حيلتنا إلا ما كسبت أيدينا.

فلننفض عن أنفسنا أثقال هذه الأفكار البالية وننطلق نحو الفهم الصحيح لديننا لنفهم كيف نسخر دنيانا كما أمرنا الله سبحانه وتعالى، وعند ذلك سنجده سبحانه ناصرنا ومؤيدنا وراحمنا.