أظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بجانب فوز اليمين، تكرار إخفاق حزب أزرق-أبيض في تحقيق الانتصار الذي سعى إليه في دورتين انتخابيتين سابقتين، وهي ظاهرة دفعت الأجواء الإسرائيلية للحديث عما يعتبرونه هزيمة مدوية للجنرالات، ولعل هذا الفشل يحمل إشارات بأن الجنرالات الإسرائيليين ومسيرتهم السياسية لا تعطي مؤشرات عن قصة نجاح، سواء في عملهم أعضاء كنيست أو تشكيل الحكومات.
يعتمد الإسرائيليون في تقييماتهم السلبية لأداء الجنرالات في العمل السياسي على ما يرونه أنهم رجال تنفيذيون ميدانيون عملياتيون فقط، ليس أكثر، وربما لدينا تجربة طويلة مع هذه النماذج.
بدأت مسيرة فشل الجنرالات الإسرائيليين مع رئيس هيئة أركان الجيش الثاني في تاريخ إسرائيل، الجنرال يغآل يادين، الذي دخل المعركة السياسية والحزبية بعد سيرة ذاتية عسكرية ناجحة، لكنه حين دخل عالم الانتخابات، وحصوله على أصوات كبيرة، تم تعيينه قائما بأعمال رئيس الحكومة، واليوم فإن حزبه الذي أسسه غاب وانقرض.
جاء بعده الجنرال رفائيل إيتان رئيس الأركان، الذي حقق نتائج مفاجئة في الانتخابات، بحصوله على ثمانية مقاعد برلمانية في الكنيست من الضربة الأولى، لكن تبين لاحقا أنه اختار أعضاء غير ملائمين للعمل في صفوف حزبه، فبعضهم خانوه، ونكثوا عهدهم معه، وانتقلوا لأحزاب أخرى، وفي وقت لاحق لم يعد لحزبه أي أثر في السياسة الإسرائيلية.
أما إسحاق رابين رئيس الحكومة الذي تم اغتياله، فقد دعم اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، لكن استطلاعات الرأي التي جرت عشية الانتخابات اللاحقة لتوقيع الاتفاق منحت خصمه تفوقا واضحا، حتى أن اتفاق السلام مع الأردن تبين أنه غير أساسي، وتسبب لإسرائيل بفقدان المزيد من الأراضي.
إيهود باراك، رئيس الأركان ووزير الحرب الأسبق، قضى أقصر فترة في رئاسة الحكومات الإسرائيلية مجتمعة، وخلالها هرب من جنوب لبنان بطريقة مهينة، تسببت بأضرار كبيرة للأمن الإسرائيلي، وتحت قيادته خذلت إسرائيل حلفاءها الموثوقين في جنوب لبنان، ومست كثيرا بقوة الردع الإسرائيلية للجيش أمام أعدائه.
هناك جنرالات آخرون دخلوا عالم السياسة الإسرائيلية عبر حزب الطريق الثالث، الذي تحول مع مرور الوقت إلى حزب المركز، وتكوّن من رئيسي الأركان الأسبقين أمنون ليفكين شاحاك وإسحاق مردخاي، فضلا عن أريئيل شارون الذي انتقل مباشرة لرئاسة الحكومة، وفور استلامه لمهامه، قرر الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، ما تسبب بكارثة كبيرة للدولة، وفق التقديرات اليمينية في الإسرائيلية.
اليوم يبدو أن حزب الجنرالات أزرق-أبيض المكون من ائتلاف ثلاثة أحزاب، ويقوده الجنرالات الثلاثة بيني غانتس وموشيه يعلون وغابي اشكنازي، قد يحملون بذور فشل حزبهم مبكرا، رغم تحقيق نتائج انتخابية كبيرة، لكن التغذية الراجعة من كل الحقب الزمنية التي خاضها الجنرالات في رئاسة الحكومات أعطت انطباعات سلبية عن أدائهم الفاشل.