الخميس، الخامس من مارس، 2020 م، يوم من أيام منطقة النصيرات عصيب. في هذا اليوم ظهرا انفجرت خزانات الوقود في مخبز البنا، الكائن وسط السوق في منطقة مزدحمة، وانتقلت النيران التي علت بمقدار طابقين أو ثلاثة إلى المتاجر المحيطة ومنها متجر للأخشاب، ومتجر لملابس النساء، ووقع انفجار ضخم هز المنطقة بعنف، وهدم بعض الجدران، وأسقط أسقف بعض المتاجر، وحبست النار والجدران المهدمة من بداخل المكان من الفرار، فاستشهد منهم عشرة احتراقا، وأصيب سبعون تقريبا، بعض منهم إصابته خطيرة.
لقد كنت قريبا من المكان على بعد أمتار معدودة ، ورأيت الناس يفرون من المكان، وكأن رائحة الغاز المتسرب، والنيران الملتهبة تسوقهم رغما عنهم إلى الفرار. الرجال تركض هربا، والنساء على أثرهم، في اتجاهات متفرقة، وبعضهم يظن أن ما حدث كان ضربة طيران غاشم، ورأيت الناس من ذوي الشهداء يهجمون على موضع النيران ولما تنطفئ عسى أن يتمكنوا من إنقاذ ذويهم، وقد جاء رجال الدفاع المدني وسيارات الإطفاء القديمة، وكذا سيارات بيع المياه الحلوة، ومضخات الباطون، في تعاون فريد لإخماد النيران، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وللأسف ما كان بوسع سيارات الإطفاء السيطرة على النيران لقدمها وقلة عددها.
المشكلة أن مواد الوقود كانت كبيرة، وجرار الغاز كانت بأعداد كبيرة، وبجوار المكان موقف للسيارات التي تتجه للزوايدة ودير البلح، وقد تركها أصحابها فرارا من النيران لازدحام المكان بالمارة، والهاربين، وقد احترق عدد منها. من المؤكد أن الخسائر المادية كبيرة، والخسارة الأكبر كانت في الناس، بين محترق حتى الموت ومصاب بحروق جزئية بليغة ومتوسطة.
هذه الصورة القلمية لما حدث كشفت عن غياب عوامل الأمن والسلامة بشكل كبير، حتى أنه يمكن أن نقول إنها كانت منعدمة بشكل تام. وكان خزان الغاز من صناعة ضعيفة رديئة لا يتمتع بشروط الأمان واحتمال الضغط؟! وكشفت أن الحصار الظالم كان قد دفع أصحاب المحال التجارية والمخبز لتخزين السولار، وجرار الغاز بأعداد كبيرة احتياطا لاستخدمها في أيام اغلاق المعابر؟!.
إن أي تقصٍ للحقائق لا محالة سيخرج بنتيجة تقول إن الحصار وتداعياته على أصحاب المحال التجارية والمخابز هو السبب الأول عن هذه الكارثة. إنه سبب كان أكثر تأثيرا من غياب عنصر الأمن والسلامة.
إنه ومن قلب الكارثة، نعلن قبولنا بقضاء الله وقدره، ونسلم له تسليما، ولكنا نطالب المجتمع الدولي بالضغط على العدو المحتل لرفع الحصار عن غزة، حتى يتسنى للناس أن تعيش حياة طبيعية.
ونطالب الجهات الحكومية بضرورة مراجعة قوانين الأمن والسلامة، وإلزام المتاجر والمخابز بها، والتفتيش الدائم عليها. رحم الله الشهداء، وعافى الله أصحاب الحروق، وجبر الله كسر أصحاب المتاجر الذين فقدوا أموالهم في دقائق معدودة. وسيبقى يوم الخامس من مارس هذا محفورا في ذاكرة النصيرات، بل وفي ذاكرة الشعب كله. وفي الختام تقدم صحيفة فلسطين، ومجلس إدارتها والعاملون فيها تعازيهم لذوي شهداء الحريق، وتتمنى للمصابين الشفاء التام.